ترسيم أم استخراج أم كلاهما.. أم لا شيء؟ ترسيم أم نووي أم كلاهما.. أم لا شيء؟
ــ خلال الأيام الفاصلة عن نهاية هذا الشهر يصادف التزامن بين نهاية الغموض في كل من ملفي التفاوض حول ترسيم الحدود البحرية للبنان والتفاوض حول الملف النووي الإيراني. وقد التقط الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله هذه الفرصة ليوجّه ضربة موفقة لخصوم المقاومة. ويظهر بتحد استثنائي سخافة وتفاهة من يتهمون المقاومة بالتبعية للأجندة التفاوضية الإيرانية حول الملف النووي. فمنح الفرصة لهؤلاء الخصوم إن كانت لديهم الشجاعة ليخرجوا ويقولوا. إنهم واثقون من أن المقاومة اذا اقفل باب التفاوض حول الملف النووي الإيراني سلباً ستذهب الى التصعيد حتى لو نال لبنان عرضاً يؤمن له حقوقه بالترسيم والاستخراج بصورة منصفة تناسب ما بات معلوماً عن المطالب اللبنانية الرسمية. أو أن يقولوا إنهم واثقون بأن المقاومة ستذهب الى التهدئة اذا تم توقيع الاتفاق حول الملف النووي الإيراني، حتى لو لم يحصل لبنان على عرض يناسب مطالبه وحقوقه. بعدما حسم بصورة مفعمة بالشجاعة والوطنية والاستقلالية معادلات المقاومة. «لو وقع الكون كله الاتفاق النووي مع إيران ولم ينل لبنان مطالبه، فالمقاومة ذاهبة الى التصعيد. ولو لم يوقع الاتفاق ونال لبنان ما يطلبه، فالمقاومة ذاهبة الى التهدئة. وحتى الآن كل الذين يوجهون الاتهامات للمقاومة بأنها مجرد ذراع تفاوضيّ لإيران. ويطعنون بوطنيتها بل بهويتها اللبنانية. من بكركي الى القوات والكتائب وبقايا 14 آذار وصولاً لنواب الصدفة الـ 13. لم يتجرأ أحد على الرد. ولا زلنا ننتظر ردهم على التحدي وإعلان قبوله. ولو من باب احترام الذات. وقبل أن ينقشع غبار الغموض عن الملفين، فالتحدي هو الآن وليس غداً!
ــ من التحدي ننتقل إلى الوقائع. الأميركي والإسرائيلي عالقان في المنطقة الصعبة. لأن إدارة الظهر للمسار التفاوضي تعني للأميركي بلوغ إيران قريباً العتبة النووية لإنتاج سلاح نووي يخشى أن عدم الاعتراف بالحقوق السلمية النووية لإيران يمنحها السبب للتخلّي عن تحريم إنتاج سلاح نووي. لأن خطر الحرب يصير كبيراً والسلاح النووي رادع لمجرد التفكير بها. وربما يحصر التحريم بالاستخدام. كما سبق وقال الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في حديث تلفزيوني شرح خلاله أسباب توقيع الاتفاق عام 2015. وهذا المسار التصعيدي الذي ينتهي بالحرب فوق طاقة أميركا وكل حلفائها. قبل أن تندلع أزمات أوكرانيا وتايوان والمواجهة المفتوحة مع روسيا والصين فكيف بعدهما. وبالمقابل «إسرائيل» عالقة في المنطقة الصعبة المشابهة، لأن إدارة الظهر للمسار التفاوضي مع لبنان، تعني وضع المقاومة لمعادلتها باستهداف منصات النفط والغاز على كامل ساحل فلسطين قيد التنفيذ. وما يعنيه من اندلاع حرب لا يعرف أحد مساراتها ولا يمكن لأحد وضعها تحت السيطرة. وبالتوازي خسارة إسرائيلية كاملة لفرص ورهانات بنتها على حقول الغاز في ظل الأزمة العالمية للطاقة. والحاجة الأوروبية لمصادر بديلة للغاز الروسي. وإحراجاً للأوروبيين والأميركي بمواجهة تحديات واحتمالات لا يقدرون على تحمل تبعاتها.
ــ اللا شيء في الملف النووي تعني الحرب. لذلك يجهد الأميركي ومعه الأوروبي في ابتكار مخارج للمفاوضات النووية. واللا شيء في ملف الترسيم تعني الحرب. ولذلك يجهد الإسرائيلي ومن خلفه الأميركي والأوروبي لابتكار مخارج لملف الترسيم. لكن مشكلة الأميركي في أي اتفاق حول الملف النووي مزدوجة. فأي اتفاق يجب أن يلبي الشروط الإيرانية، كي يبصر النور. وخروج إيران منتصرة يعني تغييراً جيواستراتيجيا في المنطقة كلها. وهو خيار بهذا الحجم. وليس مجرد اتفاق نووي تقني. وأي اتفاق يسبق الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي قد يزيد من حجم الخسائر التي تلحق بالحزب الديمقراطي في هذه الانتخابات. وبالمقابل أي تأجيل للاتفاق لما بعد هذه الانتخابات قد يفقد فرصة الولادة ببلوغ إيران للعتبة النووية من جهة. وظهور أغلبية جمهورية في مجلسي النواب والشيوخ بما يتيح وضع شروط تشريعية لتقييد حرية حركة الرئيس الأميركي جو بايدن في توقيع أي اتفاق. وبالمقابل تخشى «إسرائيل» شيئاً مشابهاً. فأي اتفاق كي يولد يجب أن يلبي شروط لبنان التي صارت محمية بقوة المقاومة. ويعني انتصاراً ساحقاً للمقاومة متعدد الوجوه. بوجه «إسرائيل» وبوجه الضغوط الغربية لإسقاط لبنان اقتصادياً. وإعادة تقديم للمقاومة كقوة إنقاذ اقتصادية بعد سنوات من تصويرها سبب الانهيار الاقتصادي. وبالتوازي تخشى حكومة كيان الاحتلال الواقفة على أبواب انتخابات مبكرة أن يتحول أي اتفاق الى مصدر ترجيح لكفة خصومها وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو في الانتخابات.
ــ تحاول إدارة الرئيس بايدن بدعم أوروبيّ ابتكار مخرج في منتصف الطريق. يقوم على تجزئة الاتفاق النووي. بحيث يتم تأجيل التفاهم النهائي لما بعد الانتخابات النصفية الأميركية. ويتضمن الاتفاق الراهن رفعاً لأغلب العقوبات ذات الطابع الاقتصاديّ عن إيران. مقابل ضمان وقف برامج التخصيب. أي وقف العدّ التنازلي لبلوغ إيران للعتبة النووية الحرجة. دون تفكيك أجهزة الطرد المركزي وإتلاف الكميات المخصبة لديها. بينما تحاول حكومة يائير لبيد وبني غانتس. بدعم أميركي ورعاية أوروبية ابتكار صيغة الاتفاق يتضمن التزاماً بالتسليم بالمطالب اللبنانية. مع تأجيل إعلانها وتوقيعها من الجانب الإسرائيلي لما بعد الانتخابات. مقابل الالتزام بوقف الاستخراج من حقل كاريش حتى يتم التوقيع النهائي.
ــ تبدو إيران أقرب لنيل ما تريد، لأن واشنطن تلهث وراء طهران التي تسبقها بلعبة الوقت. بينما تسبق «إسرائيل « لبنان في لعبة الوقت. لذلك تبدو حظوظ التوافق الأميركي الإيراني كبيرة. بينما تبدو احتمالات قبول لبنان والمقاومة خصوصاً بالعرض الإسرائيلي ضعيفة. فيكون الجواب. اتفاق على النووي ولا اتفاق على الترسيم. بينما يصبح الإسرائيلي ومن خلفه الأميركي والأوروبي أمام تحديات جديدة على الحدود البحرية الجنوبية للبنان. وهنا تصير أهمية ما قاله السيد نصرالله مضاعفة. وأمام لبنان فرصة كي يضع شروطه. إما سلة كاملة في مهلة قصيرة. او ضمانة أميركية خطية بحدود الترسيم التي طلبها لبنان ضمن مهلة زمنية لا تتعدّى نهاية العام. مقابل ربط تجميد الاستخراج من كاريش بالاستخراج من حقل قانا فقط. واشتراط البدء الفوري والتنقيب والاستخراج من سائر الحقول اللبنانية، وخصوصاً عودة شركة توتال الى البلوك 4 والبدء بالعمل في البلوك 9. وهما ضمن عقود قائمة مع توتال. يمنع تنفيذها التهديد الأميركي الذي يربط العمل في كل الحقول اللبنانية بنهاية مفاوضات الترسيم. بما يؤكد اللاتوازن على طرفي الحدود. الذي قامت معادلة المقاومة لكسره. ما يعني وجود فرضيّة استخراج دون نهاية الترسيم، ولو لمهلة معينة.