هل بدأت «شنغهاي» بالتمدّد إلى أوروبا؟ 1/2
علوان نعيم أمين الدين
لم تكن «العقوبات على روسيا، على خلفية الأزمة الأوكرانية، سوى غطاء قانوني لفرملة روسيا على الساحة الأوروبية ومقدمة لقطع التواصل السياسي، وبالتالي مقدمة لإنهاء التواصل الاقتصادي.» أما استراتيجية «القرن الأميركي ـ الباسيفيكي» الصاردة عام 2012، فهي ليست سوى «مخطط لمنع التقدم الصيني باتجاه أوروبا، إضافة إلى تطويقها ، هذا التقدم الذي تعتبره واشنطن حكراً على اقتصادها، وخصوصاً بعد إعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، عبر «مشروع مارشال». تلك هي نظرة العديد من الباحثين الاستراتيجيين إلى ما يجري على الساحة الدولية من تطورات سياسية فيما يخصّ التنافس على «تسيُّد العالم».
تعلم كلّ من موسكو وبكين جيداً هذه التحديات، لهذا بدأ التكاتف والتعاضد منذ 2001، تحديداً، مع إنشاء منظمة شنغهاي للتعاون.
من هنا، وبعد التطورات المتلاحقة، يمكن القول بأنّ هناك بداية تمدّد لمنظمة شنغهاي إلى أوروبا من خلال روسيا والصين، إذ تؤكد التطورات الدولية الحاصلة رغبة كلا الدولتين في تقليص النفوذ الأميركي على «القارة العجوز» في محاولة لإعادة صياغة التوازنات الدولية على أسس جديدة.
قبرص
بالإضافة إلى الترابط الديني والعلاقات السياسي التاريخية، أصبحت روسيا الاتحادية «الشريك الاستثماري الرئيسي لقبرص حيث تعادل نسبة مساهماتها 80 في المئة من مجمل الاستثمارات الأجنبية في الجزيرة، أي ما يعادل 26.1 في المئة من مجمل الاستثمارات الروسية في الخارج. كما أنّ لقبرص استثمارات كبيرة في روسيا، حيث يصل مجموع استثماراتها إلى أكثر من 50 مليار دولار.» موقع روسيا اليوم 7/10/2010 .
كان لروسيا أيضاً دور كبير في الأزمة المالية التي ضربت قبرص، إذ أنها ساعدت اقتصادها على الصمود بعد الكارثة التي حلت به، وفي العام 2013 وافقت موسكو على «تليين الشروط حول القروض البالغة 2.5 مليار يورو والتي منحتها للجزيرة المتوسطية التي لامست الإفلاس قبل حصولها على خطة إنقاذ دولية، وذلك عبر خفض معدل فائدتها من 4.5 في المئة إلى 2.5 في المئة، وعبر تمديد استحقاقات التسديد لسنوات عدة» أ.ف.ب 25/2/2015 .
في نهاية عام 2012، قدرت مؤسسة «موديز» قيمة ودائع البنوك الروسية في قبرص بـ 12 مليار يورو وودائع الشركات الروسية بنحو 19 مليار يورو، وتشير المؤسسة عينها إلى أنّ البنوك الروسية منحت قروضاً بنحو 40 مليار يورو إلى شركات في قبرص». موقع ICN.com 20/3/2013 ، إلى جانب الاستثمارات المالية واستقرار الجالية الروسية، ووجود أربع مدارس روسية، ومحطتين إذاعيتين موقع النبأ 26/2/2013 .
وكانت معلومات صحفية قد ذكرت أنّ الجانب الروسي «يفكر في شراء بنك قبرص والاستثمار في حقول للنفط تمّ اكتشافها مؤخراً قبالة الشواطئ القبرصية، في مقابل منح المزيد من القروض والمساعدات المالية لنيقوسيا التي تواجه ضغوطاً متزايدة من قبل الاتحاد الأوروبي.» وكالة الأنباء الكويتية 22/3/2013 .
إضافة إلى العلاقات الاقتصادية النقدية، هناك علاقة اقتصادية من نوع آخر بين قبرص وروسيا، ففي قبرص ثروة غازية تريد روسيا أن تضمها إلى استثمارات شركاتها الضخمة كـ «غازبروم»، لتكون رافداً لغاز المتوسط سوريا، لبنان، ، مصر، «إسرائيل» إلى أوروبا في المستقبل.
يرى الكاتب وليم أنغداهل أنّ قبرص تعتبر «القطعة الأكثر تعقيداً على رقعة الشطرنج. ودلت وثائق خاصة بالحكومة الأميركية، تعود إلى مرحلة السبعينات تمّ الكشف عنها مؤخراً، أنّ وزير الخارجية في تلك المرحلة هنري كيسنجر شجع وقدم تسهيلات للنظام التركي، بزعامة زميله في جامعة هارفرد ورئيس الوزراء بولند أجاويد، لتنظيم غزو عسكري ضدّ قبرص عام 1974، مما أدى إلى التقسيم العرقي للجزيرة بين جزء قبرصي تركي في الشمال وقبرصي يوناني في الجنوب، تقسيم لا يزال قائماً حتى الآن.
كان هدف كيسنجر، المدعوم من البريطانيين، خلق ذريعة لتواجد عسكري أميركي وبريطاني دائم للقيام بأعمال التنصت العسكري في الحوض الشرقي للمتوسط أثناء الحرب الباردة.» وليم أنغداهل مقال بعنوان «بعد اكتشاف الغاز… صراعات على الأبواب في شرقي المتوسط»، موقع الإعمار والاقتصاد 31/8/2012 ، ويلفت الكاتب إلى أنّ ردّ فعل روسيا جاء «عبر تصريحها أنها لن تتساهل مع التهديدات التركية ضدّ قبرص».
على هامش زيارة قام بها الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسياديس إلى موسكو، تمّ التوقيع على اتفاقات في «مجال الطاقة حيث تحتل شركة «لوك أويل» الروسية مركزاً هاماً في سوق الطاقة على الجزيرة المتوسطية وتسيطر على نحو 9 في المئة من مبيعات موارد الطاقة فيها، وهي تملك نحو 33 محطة للوقود على الجزيرة.» روسيا اليوم، 25/2/2015 .
أما اللافت للانتباه، فكان استعداد قبرص لاستضافة قاعدة عسكرية روسية على أراضيها، وبحسب وكالة «شينخوا» الصينية فإنّ «القاعدة العسكرية المجهزة بالطائرات الروسية ستكون على مسافة 40 كلم من قاعدة سلاح الجو البريطاني». روسيا اليوم، 8/2/2015 ، الأمر الذي سيعيد خلط الأوراق الاستراتيجية في المتوسط كون روسيا تمتلك قاعدة عسكرية وحيدة على المتوسط في مدينة طرطوس السورية.
اليونان
لا شك في أنّ التطورات الإيجابية في العلاقة بين روسيا وقبرص ستمتد إلى اليونان، وخصوصاً أنّ علاقات قوية تربط نيقوسيا وأثينا، وهذا ما ظهر جلياً بعد وصول حزب «سيريزا» المناهض للإجراءات المالية الأوروبية التقشفية، وخصوصاً بعد الأزمة المالية اليونانية الضخمة، وتقرُّب رئيس وزرائها الشاب ألكسي تسيبراس من روسيا، وقد دعاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى موسكو للاحتفال بذكرى الانتصار على النازية في أيار 2015. ويرى محللون أنّ لهذا التوقيت دلالاته إذ «أنّ تمديد خطة إنقاذ اليونان ينتهي بنهاية حزيران 2015، والسرّ الأسوأ الذي لم يعلن عنه في بروكسل هو أنّ أثينا ستحتاج إلى قروض جديدة». يورجوس خريستيديس ـ هل تفقد أوروبا اليونان لصالح روسيا؟ بي بي سي 12/3/2015 .
من الجدير ذكره هنا، أنّ اليونان عارضت تجديد العقوبات الاقتصادية على روسيا حيث وقفت في وجه الدول الأوروبية الأخرى بما سمي بـ «27 ضدّ واحد».
ويرى الكاتب يورجوس خريستيدس أنّ لروسيا علاقات إيجابية «لها جذور عميقة في التاريخ، ويقول: «عندما كانت اليونان لا تزال جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، كان اليونانيون يلجؤون في كثير من الأحيان إلى زملائهم من الروس الأرثوذكس للمساعدة، وقد بدأت حرب استقلال اليونان عام 1821 من قبل مجموعة سرية تشكلت في مدينة أوديسا الأوكرانية تحمل اسم «أخوية الصداقة»، وانتخب إيوانيس كابوديسترياس وزير الخارجية اليوناني أيام الإمبراطورية الروسية، أول حاكم لليونان المستقلة الوليدة عام 1827، وكان «الحزب الروسي» قوة سياسية مهيمنة في الدولة الجديدة».
تريد روسيا الدخول إلى أوروبا من أي بوابة كانت، فهي مصدر الدخل الكبير لها عبر الغاز . وفي هذا الإطار تعتبر اليونان وما تختزنه من مواد طبيعية، هدفاً تسعى موسكو إلى الحصول عليه. فقد عارضت قيام تركيا الأطلسية بترسيم الحدود المائية مع اليونان. ويرى أنغداهل «أنّ الأجزاء الجنوبية من بحر إيجه وبحر كريت لم يتم استكشافها بعد، وتشير التقديرات النهائية إلى احتوائها على كميات هائلة من الغاز. وكشف تقرير صادر عن المجلس الوطني اليوناني لسياسة الطاقة أنّ اليونان تعتبر أقلّ البلدان في أوروبا استكشافاً في مجال احتياطي الطاقات الهيدروكربونية. ويشير المحلل أرسطو فاسيلاكيس إلى أنّ قيمة الاحتياطي من الغاز الطبيعي، حسب دراسات، «تقترب من 9000 مليار دولار». حتى وإن كان جزء صغير من هذا المبلغ متاحاً، فإنه يكون كافياً لإحداث تغيير جذري في الشؤون المالية في اليونان وجميع أنحاء المنطقة. » وليم انغداهل، مرجع سبق ذكره .
وفي هذا السياق، أدرك الرئيس بوتين الأمر واستفاد من الأزمة مع بلغاريا وقام بتغير مجرى «السيل الجنوبي» إلى تركيا، وتمّ الاتفاق على تسميته «السيل الأزرق» حيث ستتم إقامة محطة للغاز المسيل بين تركيا واليونان، وسيكون لهذه الخطوة انعكاس استراتيجي على التحولات في أوروبا لن تدرك معالمها في الوقت الحاضر نظراً لبعد التخطيط الذي يتمتع به الروس لجهة الطاقة ومساراتها، وخصوصاً أنّ أهم منظري «الأوراسية» الروس يعتبرون أنه يجب استعادة تركيا للخط الآسيوي كونها تشكل «الضرس» الآسيوي إلى أوروبا. مقال مهم جداً للباحث رياض عيد «النتائج الاستراتيجية والاقتصادية لزيارة بوتين إلى تركيا» موقع خبر أونلاين 8/12/2014 .
إضافة إلى روسيا، تستعد الصين للبدء في تجديد ميناء بيريه اليوناني على البحر المتوسط، والذي سيشكل محطة صينية متقدمة في أوروبا تعول عليها بكين كثيراً في استراتيجية «حزام الحرير الاقتصادي».