حدثان دستوريان لمسارين متلازمين
شبلي بدر
حدثان بارزان، أو بالأحرى استحقاقان دستوريان، خلال فترة قصيرة من الزمن، لا يقل أحدهما أهمية عن الآخر، الأوَّل في لبنان والثاني في سورية، ورغم تقارب المهلة الزمنية التي تفصل أحدهما عن الآخر، يبدو أن الأمر في لبنان لم يأخذ المنحى الجدّي بعد، إثر جلستين كانتا بمثابة اختبار للنوايا ولم تفضيا الى وضوح في التحالفات، وبقيت الأمور رهن تفاهمات منها إقليمية وهي الأهم، وأخرى لا تقل أهمية بما تحويه من خفايا ومصالح تخضع لتجاذبات الأطراف المعنية من وراء الكواليس.
تختلف في لبنان مواصفات الرئيس التي ينادي بها الأفرقاء. بعضهم يريد رئيساً قوياً يعيد الى مؤسسة الرئاسة هيبتها واحترامها واستقلاليتها في اتخاذ القرارات، بعيداً عن التأثيرات الخارجية، ما وضع لبنان في دائرة التجاذبات والمماحكات الإقليمية والدولية منذ الاستقلال حتى اليوم، بسبب اختلاف المفاهيم التي تحدد معنى التدخل الخارجي لدى غالبية الأفرقاء إذ هناك من يعطي الأجنبي شرعية لتدخله في الشؤون الداخلية اللبنانية، ويعيب أو يرفض رفضاً قاطعاً أي مساعدة أو تواصل وتنسيق مع دول شقيقة مجاورة تساعد في استتباب الأمن والاستقرار في ربوعه، وما شهدناه حديثاً من تعنت لدى البعض دليل قاطع على قصر نظر تلك الفئة من السياسيين الذين يريدون عزل أنفسهم في دائرة جغرافية ضيقة، ثبت عدم جدواها منذ أمد بعيد. والبعض الآخر يريد رئيساً «توافقياً» لا طعم له ولا لون، يسهل التحكم في مسار الحكم طيلة ولايته خدمة لمصالحهم وإقطاعاتهم السياسية والمالية وغير ذلك.
الإسراع في إنجاز الاستحقاق الدستوري في لبنان أمر مهم جداً، ويجب ألا تؤخذ الأمور على محمل اللامبالاة أو المماطلة، وصولاً الى الفراغ الذي يجهل الجميع ما بعده، وأن يكون للبنان رئيس يتمتَّع بماضٍ مشرِّف وحاضر مشرق وغد واعد، يحافظ على الإنجازات التي حققتها صيغة الجيش والشعب والمقاومة في وجه «إسرائيل» طالما أن جعجعة «المكرمات الخليجية» لم تأتِ بجديد على صعيد تسليح الجيش اللبناني، اللهم إلا ببعض الإطارات والسيارات المستهلكة ونتفاً من العتاد الذي لا يمكن أن يوازي أو يقارع عتو دولة العدوان «الإسرائيلي» ومجرمي الحرب الذين يتولّون قيادتها.
فالمعادلة الثلاثية المؤطّرة بدماء الشهداء والمقاومين الأبطال هي وحدها ضمانة لاستقرار لبنان وقوته، وهي مثل الذهب الذي يضمن استقرار النقد في البنك المركزي الى أن يرفع الحظر المفروض على تسليح الجيش بالسلاح النوعي الذي يضمن التفوق على العدو «الإسرائيلي» ، وبعد ذلك لكل حادث حديث.
الحدث المهم، بل الأهم على الساحة السورية، هو تطبيق المسيرة الدستورية التي بدأها الشعب السوري وإدارته الصامدة والمدركة أخطار الإرهاب وما يجري على الساحة المشرقية عامة. فبعد الاستفتاء على الدستور الجديد، وبعد الإنجازات الاستراتيجية التي تحققت على مدى ثلاث سنوات ونيِّف وانكشاف النوايا الخبيثة للدول الغربية وبعض أعاجم الخليج التي أنتجت بؤراً تكفيرية مجرمة عاثت فساداً وتدميراً في بلاد الشام، وتحطمت في نهاية الأمر تحت أقدام الجيش العربي السوري وبطولاته النوعية، جاء دور الاستحقاق الدستوري لانتخاب رئيس لبلاد كانت وما زالت بقيادة شاب يملك عنفوان النسر وصلابة المؤمن بشعبه ووطنه وأمته، قائد أسطوري محنَّك جسَّد معنى وقفات العز من خلال الإنجازات النوعية والاستراتيجية في آن واحد على وسع الساحة السورية كلها، وأسفرت عن سقوط «القادة» المحنَّطين واحداً تلو الآخر، واعفاءات وإقالات لمجرمين مسؤولين عن إراقة الدماء البريئة والدمار والتخريب في هذا الوطن.
على الساحة السورية جميع المؤشرات التي تؤكد على أن إعادة انتخاب الرئيس بشار الأسد لولاية جديدة أمر محسوم، لما له من مكانة واحترام كبيرين في قلوب الشعب على امتداد الوطن، ولما أظهره من حنكة سياسية وعسكرية في إدارة شؤون البلاد، فالصمود الأسطوري الذي تجلى على مدى السنوات الثلاث عز نظيره لدى حكام أعراب وأغراب لا همّ لهم إلاّ التربع على عروش هرمة واستعباد الناس وإضاعة البوصلة القومية والوطنية مع العدو «الإسرائيلي»، حكام لا يمكن أن يعوَّل على وجودهم وصدقيتهم طالما وصفوا أنفسهم بالنعاج! والبون شاسع بين ثغاء النعاج وزئير الأسود.
هنيئاً لقلب العروبة برئيسها الواعد الذي لم تلن عزيمته ولن تلين أمام المصاعب والمحن العاتية، إذ وضع نصب عينيه كرامة شعبه وحرية وطنه واستقلاله، مهما تعاظمت الأخطار وغلت التضحيات.