كوابيس شيطانية…
معن الأسعد*
منذ سنوات والشعب اللبناني يعاني من كمّ من الكوابيس المرعبة والمزعجة والمقرفة. أحد هذه الكوابيس رؤية لبنان الذي كان سويسرا الشرق يحترق، والدخان الأسود يغطي السماء والناس متشرِّدة في الشوارع والحارات والحقول وهي تئنُّ من الفقر والجوع والمرض، وحالة الفلتان والفوضى والضياع على أشدَّها، و»شريعة» الغاب هي الطاغية، ولكن على طريقة حكم الطبقة السياسية، وليست على طريقة شريعة الغاب التقليدية التي تنظمها مخلوقات الغابة ونزلاؤها، والتي تعطي الأمان بعض الشيء، وكلّ «مقيمٍ» فيها يعرف دوره وحجمه وإمكانياته.
الشعب في كوابيسه التي لا تغادره ليل نهار، وحده الشيطان الرجيم يظهر مسروراً مبتسماً مزهواً بنفسه، يرمق أشلاء ما تبقى من جسد وطننا بعينيه الجاحظتين بفخر واستعلاء وانتصار.
هذا الشيطان اللعين، بكلّ وقاحة وجرأة في آن، يقول للشعب اللبناني المسكين، إنه مسرور جداّ من الطبقة السياسية الحاكمة المتحكمة الظالمة الفاسدة الطائفية والمذهبية والميليشياوية، وبأنه لم يمرّ عليه يومٌ، منذ تاريخ إغواء البشرية أفضل وأطيع وأخلص من هذه الطبقة السياسية التي تحكم لبنان، منذ أكثر من ثلاثة عقود.
وبسخرية يتوجه هذا الشيطان إلى الشعب، ويقول له انتظر قليلاً وأجِّل حزنك لأنني لم أنتهِ من هذا «المخلوق الهجين» المسمَّى لبنان، وقد أعطيت أوامر مشدّدة وعاجلة لأتباعي الحاكمين لبلدك المخلصين جداً لي، بأن يستمرّوا بنهجهم التدميري الانهياري لكلّ الخدمات والقطاعات، وبأن يعمّ الفقر والجوع والمرض، وأن يبقى لبنان من أقصاه إلى أقصاه من دون كهرباء وماء ودواء وغذاء واستشفاء، ومن دون قمح وطحين وخبز… وبأن يكون عنوان المرحلة في المقبل من الأسابيع والأشهر وربما الأيام، ازدياد طوابير الذلّ، أمام المحطات والأفران والصيدليات والمستشفيات والمصارف…
وباستهزاء وانتقام واعتداد بنفسه الشيطانية وهو المحمي بالخطوط الحمر، يتابع كلامه الموجّه إلى الشعب المستسلم والتابع والمرتهن والواهن والغارق في وحول الطائفية والمذهبية والزعائمية، ويقول له، إياك أن تنتظر الخلاص والفرج لأنّ حكومة تصريف الأعمال هي بحكم المستقيلة، ما يعني بأنها لا تستطيع تسيير أعمال رئاسة الجمهورية في حال حصل الفراغ (وهو على ما يبدو أنه حاصل) لعدم حيازتها ثقة مجلس النواب الجديد.
وبأنّ مخطط «الزعماء» من السنة والشيعة والدروز والمسيحيين لإجراء تعديل وزاري محدود وأخذ الثقة النيابية بطريقة ملتوية لن يمرّ أبداً.
يضيف الشيطان الرجيم، صحيح بأنني «وسوَست» لـ «زعماء» المسلمين بقدرتهم على احتلال موقع الرئاسة الأولى الماروني، إلا أنني «وسوَست» أيضاً للمسيحيين بأنّ وجودهم وكرامتهم تتطلب استباق ما سيحدث والالتفاف على ما «يُخطط» لهم.
نعم، قال الشيطان، إنّ الحل هو في نصوص دستور الطائف السيّئ الذكر، فـ بالرغم من أنّ الدستور نص على استشارات نيابية ملزمة أدّت الى تكليف الرئيس نجيب ميقاتي، إلا أنّ الدستور نفسه لم ينص على مهلة لإسقاط التأليف، مما يعني أنّ الرئيس ميقاتي ومَن خلفه سيعمدون إلى التسويف والتأجيل والالتفاف إلى حين وصول استحقاق الفراغ في الرئاسة الأولى وترك الرئيس عون قصر بعبدا فارغاً خالياً خاوياً، مباحاً للغربان حتى تعشش في داخله ويأكل الغبار أثاثه وكرسي الرئاسة ويتلف الزمن ملفاته وما فيها من أسرار وقوانين ومشاريع تراكمت بفعل زمن الصراعات والخلافات والكيديات بين السلطات الثلاث الحاكمة أقله منذ اتفاق الطائف.
أخبر الشيطان الشعب بأنه «وسوَس» أيضاً لأحد مستشاري رئيس الجمهورية، بأنّ الدستور وإنْ لم ينص على مهلة إسقاط لتأليف الحكومة، إلا انه لم ينص أيضاً على عدم حق رئيس الجمهورية بالدعوة لاستشارات نيابية ملزمة مجدّداً وتكليف رئيس حكومة آخر، وليعترض مَن يعترض وليقاطع مَن يقاطع!
تصوّروا بأنّ الشيطان أخبر الشعب أيضاً، أنه حينها لن يترك الرئيس عون قصر بعبدا رغم انتهاء ولايته، وبأنه سيحظى بدعم غبطة البطريرك الراعي ورئيس «القوات اللبنانية» وحزب الكتائب وكل مسيحيّ، لأنّ قصر بعبدا هو رمز وجودي لهم…!
سئل هذا الشيطان، ماذا بعد؟ قال بكلّ سخرية: ألم تعلموا بأنّ لبنان لم يعد له من وجود على الخريطة السياسية بفضل الطبقة السياسية الحاكمة، وما عليك أيها الشعب سوى انتظار الاتفاقات الدولية والإقليمية، ولا تأمل خيراً من هؤلاء الخونة الذين يدّعون الحرص عليك وعلى وطنك، لأنهم في أحسن الأحوال وكلاء للأجنبي وخدَّامه.
وربما هناك عقد جديد، ودستور جديد لتنظيم المرحلة المقبلة، مرحلة الغاز، كم هي جميلة ورائعة رائحة الغاز التي تسحر الإنسان وتجعله ينسى الله عزَّ وجل ويصبح عبداً طيّعاً بين يدي الشيطان ونفسه الأمّارة بالسوء وشهوة السلطة والمال والظلم والاستبداد،
ألم يقل، سأغوينّهم جميعاً إلا عبادك المخلصين؟
ولا بدَّ من أن يستفيق الشعب من أحلامه «المكوبسة» ويردّد بأعلى صوته، و»… يمدّهم في طغيانهم يعمهون».
*محامٍ، أمين عام التيار الأسعدي