طاقات مهولة وثروات مهدرة
فيوليت داغر
نستفيق اليوم لنسمع خبراً مفاده أنّ الكيان المؤقت، الذي يهرب من المواجهة مع لبنان، يعرض عليه حلاً يرفضه. ابتزاز إثر ابتزاز وأوقات طويلة استقطعت من الزمن الذي لا يعود. والشعب اللبناني الذي عاش أعنف حرب اقتصادية، بعد تلك العسكرية التي أسموها حرباً أهلية، يحتضر. جموع منه، بحثاً عن لقمة عيش، دُفعت لمغادرته إلى أرض ليست بالضرورة رحبة أو رحيمة. ومن بقي، ذاق مرّ العيش وخبر تجربة فناء بطيء لكن أكيد.
ثرواتنا تسرق تحت عيوننا، وأيادينا ما زالت حتى الساعة مغلولة. ننتظر فرج الله، وقرار مقاومة تحذر الخارج كما الداخل من التمادي بالمماطلة وإضاعة الوقت. خاصة أنّ هذه الثروات الكامنة في بحرنا وجدت فرصتها الذهبية لتخرج وتفرج أصحاب الأرض. فهل يعلم مسؤولونا، غير المسؤولين والمتواطئين مع المعتدي، أن الوقت بات معدوداً للاستفادة منها قبل أن يحلّ زمن الطاقات البديلة وتبور ثرواتنا الهائلة تحت أقدامنا؟ ربما يعلمون لكن ما زالوا يغلّبون مصالحهم الشخصية ونزواتهم الدنيئة.
هناك اليوم في العالم تسارع في عمل حثيث على توفير الفرص والإمكانات المادية لاستثمار طاقات نظيفة أقلّ كلفة وأكثر وفرة. من هذه المشاريع، الهيدروجين الأزرق، بعد تجارب على الأخضر والرمادي، كونه أجود وأقلّ كلفة وأكثر نظافة. بلغنا اليوم مرحلة ستفاجئنا فيها ثورة التكنولوجيات وتسارع طرح منتوجاتها في الأسواق. بما سيقلب المشهد الذي اعتدنا عليه وينقلنا لآفاق جديدة وغريبة على معظمنا.
هذا الوقود، الذي هو عبارة عن وقود مجاني ولا متناهي، كان لعالم كبير، يُدعى كفنديش، أن يكشف عنه قبل قرنين ونصف من الزمن. لكن كما الكثير من الاكتشافات، وبعد موجة من التشكيك بصلاحيتها، وقفت المصالح الشخصية للمتحكمين بالقرار سداً عائقاً لاستخراجها، كما عدم تقدّم التكنولوجيا الكافي للاستثمار بها.
إنه عبارة عن تريليونات من جزئيات الطاقة الموجودة في الهواء والماء والنجوم التي ننعم بها، دون أن ندرك مدى قيمتها الفعلية. جسيمات صغيرة لا تراها العين، نسبح بها دون أن ننتبه لأهميتها. وبعكس النفط والغاز والفحم واليورانيوم، هذه الطاقة لامتناهية كونها دوماً متجدّدة، كما أنها مجانية. هي ليست الطاقة الشمسية التي تحدث عنها توماس أديسون، وإنْ كانت مشابهة.
وككلّ الأزمات التي تولد ردود فعل تبحث عن حلول، وضعت أزمة النفط في 1973 الحكومة الفرنسية أمام تحدّ كبير، فأطلقت في 1975 خطة وطنية لتطوير إنتاج هذه الطاقة على نطاق واسع. لكن ما لبثت الجهود أن توقفت لحدّ ما، بسبب الكلفة العالية التي يتطلبها فصل الجزئيات التي تكوّن ماء الأنهار والبحار.
إنما منذ سنتين، سمح التقدّم الهندسي بخفض تكاليف الإنتاج 9 مرات وزيادة معدلات الطاقة 4 مرات عن سنة 1975. ويقدّر أنه بين 2020 و2026 ستتضاعف طاقتها الإنتاجية 55 مرة في العالم. علاوة على أنّ طاقتها التخزينية كبيرة جداً، كما ستفتح مجالات واسعة للتوظيف. وحيث أنها نظيفة تماماً، فهذا المعطى سيحلّ تلقائياً مشكلة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
ما كان حائلاً في اللجوء لهذا النوع من الوقود، ليس المياه المجانية بطبيعة الحال، بل الحاجة لتكنولوجيا تستثمر به كما ذكرنا. اليوم باتت القدرة متوفرة لفصل الهيدروجين عن الأوكسيجين الذي يكون الماء، فتأمّن العنصر الأكثر وفرة في الكون. بالتالي، ليس من المستغرب أن يرصد الأميركيون والصينيون والفرنسيون والهنود والسعوديون وغيرهم أموالاً لا بأس بها لاستخراج هذه الطاقة. الولايات المتحدة خصّصت لها 8 مليارات دولار لهذه السنة، بينما رصدت فرنسا 9 مليارات أورو حتى نهاية هذا العقد، أما الهند فتسعى حتى 2030 لإنتاج 5 ملايين طن سنوياً، وأوروبا 10 ملايين.
خلاصة الكلام أنه إذا كان هذا الوقود ما زال يمثل اليوم 1.5% من حجم الطاقة العالمي، فالأجل لن يطول لنشهد تسارعاً كبيراً في إنتاجه على حساب مصادر الطاقة الأخرى التي عرفناها حتى الساعة. فهل نتعظ نحن في لبنان مما يجري حوالينا ونستعجل الخطى لاستخراج ما لدينا قبل أن تعود ثرواتنا لتنام تحت أقدامنا إلى أبد الآبدين؟