أولى

واقع المنطقة وآفاقها في ظلّ متغيّرات دوليّة إقليميّة

د. جمال زهران*

يمرّ النظام العالمي ومعه النظم الإقليمية التابعة، بفترة شديدة التفاعل، والمؤكد أنّ المخاض رغم صعوباته، هو وضع جديد على كافة الأصعدة، والرهان على هذا التغيير هو الكاسب. بينما الرهان على أنّ ما يحدث هو إعادة إنتاج الحاضر، بهيكل القوة السائد وهيمنة الغرب بقيادة أميركا، هو رهان خاسر من كلّ الجوانب.

فالعالم يمرّ بحدثين كبيرين، التدخل الروسي في أوكرانيا، دفاعاً عن أمنها القومي، ومحاولات التحرّش الأميركي مع الصين، على أرض «تايوان». وأنّ هذين الحدثين العالميين، لهما من التداعيات ـ سبق شرحها ـ ما يفوق التصوّر، وأنّ من يتوقعون نهاية هذين الحدثين في القريب العاجل، مخطئون، حيث إنهما معاً هما قاعدة التغيير في النظام العالمي، والنظم الإقليمية، فكيف ينتهي هذان الحدثان قريباً؟ بل أرى أنّ استمرار الحدثين، إلى أن يتحقق المُراد وهو نظام عالمي جديد بلا شك، هو الاحتمال الأكثر رجحاناً، وإلا فإنّ النظام الحالي هو المرشح للاستمرار، وهذا مستحيل.

كما أنّ التحليل السياسي للنظام الدولي ونظمه الإقليمية، يقضي بأنه ثمة تغيير في النظام الدولي أو العالمي، له من التداعيات المباشرة وغير المباشرة على هذه النظم الإقليمية. وفي مقدمة هذه النظم التي سرعان ما تتأثر بهذا التغيير في الدولي، هو النظام العربي ومحيطه الشرق أوسطي. فما الذي يجري في هذا الإقليم؟

المتابع بدقة، يستطيع أن يرصد التناقضات في كلّ القضايا، بسهولة. الأمر الذي يؤكد أنّ حجم التفاعلات وصل إلى أقصى درجات الحرارة، وأنّ المخاض لا بدّ أن يكون كبيراً، يصل إلى أعلى درجات «الزلازل». فالصراع بين الكبار في النظام الدولي كبير، على الإقليم. فما إن تنتهي قمة «جدة» برئاسة بايدن ـ الرئيس الأميركي، حتى تبدأ قمة طهران بقيادة روسيا، ثم تتوالى القمم الفرعية هنا وهناك!!

وما إن تنتهي المحادثات والمفاوضات غير المباشرة، بين أميركا وإيران في فيينا، توصلاً إلى تجديد الاتفاق النووي الذي سبق توقيعه في عام 2015، المعروف بـ (5 + 1)، إلا أنّ التصريحات تتناقض بين قرب التوقيع النهائي، وتأخر هذا التوقيع، في إطار سياسات «الشدّ والجذب»، في إطار نظرية المفاوضات التي تفسّر ما يحدث بسهولة.

وما أن يظهر في الأفق تقارب سوري/ تركي، في إطار ما توقعنا، لإنهاء الأزمة السورية، حتى يقوم الكيان الصهيوني بالاعتداءات على سورية عبر الأجواء اللبنانية، لتعقيد الأزمة، ومحاولة ضرب هذا التقارب السوري/ التركي، عبر روسيا، إلا أنّ لقاء الأسد ـ أردوغان، في قمة عالمية، مؤكد الحدوث، ترجمة لاقتراب حقيقيّ، كما سبقت الإشارة.

وما أن يقترب حلّ معضلة حقل «كاريش» بين لبنان والكيان الصهيوني، عبر الوسيط الأميركي، وتهديدات حزب الله، الذي يضع شهر أيلول/ سبتمبر حداً فاصلاً للقضية، وهو الذي لا يتلاعب بما يقول، بل الحسم هو خيار سياساته وخطابه السياسي، إلا أنه يلاحظ، أن هناك محاولات تسويف وتلاعب، موزعة بين أميركا ووسيطها، والكيان الصهيوني، ومعهما عملاء الداخل في لبنان، الأمر الذي يشيع حالة عدم الاستقرار، وينبئ بحالة توتر قد تصل إلى مواجهة عسكرية، على خلفية أنّ حزب الله عندما يتكلم ويهدّد، يفعل، وعلى خلفية عدم الالتزام من جانب الطرف الصهيوني!

وفي الوقت الذي تحرّكت فيه المقاومة السورية، لمهاجمة القواعد الأميركية في دير الزور، والحسكة (الشمال الشرقي)، نجد القوات الأميركية المحتلة في سورية والعراق، تهاجم بقرار من بايدن، مبرراً ذلك بأنه دفاع عن النفس! وقد أصبحنا في زمن، يبدو المحتلّ والمعتدي والمغتصب، يقوم بممارسة العدوان تحت شعار «الدفاع عن النفس»! هكذا يبرّرون أفعال المجرمين الصهاينة في الأرض الفلسطينية المحتلة، وهم محتلون ومغتصبون ومعتدون!

كذلك الأمر، في العراق المفكك والضائع منذ الاحتلال الأميركي في عام 2003، وعلى مدار عشرين عاماً تقريباً، وأيضاً في اليمن، وفي ليبيا المفككة!

كذلك فإنّ هناك محاولات من بعض دول عربية تابعة لأميركا وللكيان الصهيوني، لإعاقة عقد القمة العربية في الجزائر، والإصرار على الاستبعاد لسورية، بينما تصرّ الجزائر على أن «لا قمة عربية في أرض الجزائر المقاومة بدون سورية».

فالإقليم عربياً وشرق أوسطياً، يشتعل، وفي طريقه إلى مخاض كبير، ستكشف الأيام المقبلة عن تفاصيله ولكن يبقى المؤكد، أنّ الإقليم بمستوييه، لن يكون غداً، مثل أمسه القريب، في ظلّ نظام دولي جديد، وفي طريقه للاستقرار، بعد حرب مباشرة وغير مباشرة، أو باردة وساخنة. وغداً سنشاهد ما يحدث.

 

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى