الأثَر التربوي للثّورة الإلكترونيّة ومواقع التّواصل على عقل الطّفل
إلهام عواضة*
مع مرور السّنين، أصبحت التّكنولوجيا ضمن أساسيّات حياتنا من كافّة النّواحي خاصةً الهواتف، بحيث أنَ معظم الأهل يستخدمونها أداة تحكُّمٍ في حركة الطّفل التي تجعله جالساً أغلب الوقت هادئاً دون ضجيج. لكن هل من الصَّحيح أن تعطي عالماً ممتلئاً بالغموض لطفلٍ انطلق لتوِّه يكتشف الحياة؟
من المُتعارف عليه أنَّ الطفل ورقةً بيضاء ومن يملأها هم الأهل، المدرسة، المجتمع والعادات التي يُمارسها يومياً… وأغلب الأهل لا يلتفتون إلى طريقة بناء وامتلاء هذا الطّفل، فكُلّ ما يفعلونه هو إعطاؤه قَلَم الحياة ليملأ نفسه بنفسه، فعندما يلعب الطّفل بحريّة في المنزل، ويصنع الكثير من الحركة والأصوات العالية، تأتي الأمّ وتعطيه الهاتف ليصمت ويتوقف عن الحركة، دون الالتفات لما سيحدث بعد الهدوء الذي يصنعه الهاتف. فكما نعيش على هذهِ الأرض، ونصطدم بالأشياء السّلبيّة والإيجابيّة، ونقابل الأشخاص منهم الجيَّد ومنهم السّيئ كذلك الهاتف، إنهُ لعالمٌ موازٍ لأفكار وتصرفات البشر أجمع. ومن هنا يكسب الطّفل أفكاره وتصرفاته، ويبني نفسه على أُسُسٍ يراها من خلف الشّاشة بينما الأهل يظنون أنّهم صنعوا الهدوء وراحة البال في المنزل لمجرد جلوس طفلهم على الأريكة منشغلاً بالهاتف، والحقيقة أنّهم يصنعون المشاكل والاضطرابات لمستقبل الطّفل، بدلاً من الالتفات بما ينشغل به خلف الشّاشة وما إذا كان كُلّ هذا الهدوء الذي يملأ الطّفل إيجابيّاً ويفيده أم أنّ عقله قد بدأ يبنيه على أُسُس العُنف وتشتت مستقبله.
فوفقاً للعديد من الأبحاث العلميّة والاستشاريين لطبّ الأطفال، إنّ مواقع التّواصل الاجتماعي قادرة على بناء مستقبلٍ متينٍ للطّفل إنْ كانَ الأهل من الملتفتين لِما يفعله طِفلُهم، كما هي قادرة على بناء طفلٍ هَشٍّ ومُدَمّرٍ لمجرد أنهُم لم يلتفتوا لِما يشاهده ظنّاً منهُم أنه مُجرّد إضاعة وقت لا أكثر، وحتى إنْ تمكّن الأهل من التحكُّم بالمحتوى الذي يشاهده الطّفل لكن لا يمكنهم التّحكم بالأضرار التي ستلحق بعقل الطّفل أثناء مشاهدته للفيديوات القصيرة على مواقع التّواصل الاجتماعي التي لا تتعدّى مُدّتها دقيقة واحدة والتي لا تحتوي على أيّة معلومةٍ مُهمَّةٍ، وإذا سُئِل الطّفل ما الذي يذكره من بين كُلّ ما شاهده لن يتذكّر أكثر من فيديو أو إثنينِ، هُنا يكون دور الأهل أنهم ملأوا عقل الطّفل بأشياء لا معنى لها بينما كان عليهم منحه معلوماتٍ بنائيّةً وتربويّةً له. أمّا عن الأضرار التي ستلحق بعقل الطّفل فمنها: العنف اللّفظيّ والجسدي، العصبيّة، عدم التّركيز، تشتت الانتباه، النّسيان، فشل دراسي، عدم الثّقة بالنّفس… فعندما يُشاهد الطّفل أشياء لا تسمح قدراته القيام بها ستقلّل من ثقته بنفسه، توحّد وانعزال…
أمّا الضّرر الأكبر الذي سيقضي على الطّفل إنْ لم يلتفت الأهل لما يشاهده فهو المحتوى غير الأخلاقي، عندها سيفقد الأهل القدرة للسّيطرة على أفكار وتصرفات طفلهم، ولن يتمكّن من الخروج من تلك الصّدمة دون علاجٍ مطوّلٍ.
لذلك على الأهل الانتباه بشتّى الطّرق لما يشاهده الطّفل ليعرفوا أنفسهم على أيّة طريقةٍ يبنون طفلهم. فكما تعمل التّكنولوجيا ومواقع التواصل للسّيطرة على عقول أبنائنا، يمكن للأهل أيضاً استغلالها بطريقةٍ إيجابيّةٍ لحياة الطّفل، مثل تعلّم الألعاب والأنشطة التربويّة التي تنمّي مهاراته، وبناء شخصيّته الاجتماعيّة من خلال التّواصل مع الأقارب والأصدقاء بالشّكل الصّحيح، إلى جانب تطوير مهارات العقل من خلال دعمهِ بالمعلومات المطلوبة والتشجيع على القراءة لتوسيع مداركه المختلفة التي يهتمّ بها الطّفل، ولحماية الأطفال بشكلٍ أفضل يمكن تفعيل وضعية البحث الآمن. كما لا ننسى تجنّب إدمان التّكنولوجيا فعلى الأهل تخصيص وقت للعائلة بعيداً عن مواقع التواصل وغيرها، وبهذهِ الطّريقة نكون قد استعملنا أكبر مدمّرٍ لعقول الأطفال بطريقةٍ بنّاءةٍ وناجحةٍ، لذا نحنُ من نقرّر مجتمعنا القادم كيف يكون من خلال طريقة تربية أطفالنا.
فَهَل سيتوقف الأهل عن تجاهل ما يشتّت عقول أطفالهم ظناً منهم أنّه مصدر إلهَاء فقط؟
وهَل يمكن أن يبذلوا جُهدَهُم لاستغلاله بالطّريقة الإيجابيّة لبناء النّجاح بدلاً من بناء مستقبلٍ مشتّتٍ؟
هذا كُلّه يعتمد على الأهل وقرارهم، إما المواجهة والاستغلال، أو تجاهله وتدمير المستقبل.
—————–
*كاتبة في التربية المختصة