مقالات وآراء

طرقات للسير أم للموت!

 

قضى بالأمس شابان اثر حادث مروع على طريق الدولية بين لبنان وسورية، تسبّب به قاطع إسفلتي مفاجئ في الطريق المؤدي من الحدود السورية باتجاه منطقة المصنع ضمن الأراضي اللبنانية، علماً أنّ تلك الطريق تبدأ على أنها طريق ذهاب واحدة ولا تشير إلى أنها ستنتهي بمتفرّع لطريقين، وفجأة يظهر قاطع إسفلتي يفصل الطريق إلى طريقين، والطريق غير آمن بسبب عدم وجود مطبات وإرشادات مرورية لتفادي الاصطدام به، لأنّ الطريق تنقسم عنده لممرّين، واحد منه لمرور الشاحنات والآخر للآليات الخفيفة، والذي لا يعلم بهذا الأمر معرّض للاصطدام به بنسبة ٩٩ بالمئة، وهنا تقع المسؤولية بشكل مباشر على الجهة المعنية بالتلزيم والشركة المتعهّدة، بسبب ترك الطريق بهذه الخطورة دون أيّ تنبيه أو إشارة أو إنارة أو أيّ شيء ينذر بذلك، وهذا يأخذنا إلى سيرة الفساد المستشري في كلّ إدارات الدولة في لبنان

إنّ إجراءً بسيطاً كان جنّب مثل تلك الحوادث التي ذهب ضحيتها العديد من الناس، دون أدنى مسؤولية لأيّ جهة معنية، وفي هذا السياق لو أنّ الشركة الملتزمة، عمدت الى وضع مونسات طرقية فوسفورية لتعوّض غياب الإنارة لأنها صارت حلماً لنا جميعاً، مع براميل بلاستيكية عند أول القاطع الإسفلتي مخططة بالفسفور أيضاً، مع مراعاة السائقين للسرعة المسموح بها، كي يبقى السائق مسيطراً على مركبته، خاصة في بلادنا، لتجنبنا الكثير من حوادث السير تلك وسقوط العديد من الضحايا والأرواح

من خلال ما تقدّم نصل إلى نتيجة، أنّ الإجراءات الإدارية والفنية لو طبقت بحذافيرها، وبعد التخلي عن العقلية اللصوصية، التي تجبر على اعتماد ذات المتعهّدين المحسوبين على الـ ٦ و٦ مكرر، لتجنّبنا الكثير من السرقات والهدر وأخذنا النتائج المذهلة لبناء شبكة طرقات سليمة وآمنة بل وبناء دولة، لكن تلك العقلية اللصوصية، أكبر من كلّ تلك الإجراءات، وقد سرقت تلك العقلية بلداً برمّته ومعه سرقت أحلامنا ومستقبلنا، وها هي اليوم تسرق أرواح أعز الناس علينا.

بالأمس قضى الشابان الفنان جورج الراسي ومديرة أعماله زينة المرعبي، بحادث مروع، ومثلهم كثر، وقبلهم قضى الوطن نحبه، على صخرة المصالح والفساد والهدر والسرقة والمحاسيب والأزلام، وما زلنا حتى اليوم نفتقر لأدنى شروط السلامة العامة في طرقاتنا وفي كلّ مناحي حياتنا، وفي كلّ مرة وعند كلّ مصيبة نعلل الأمل أن تكون تلك الفاجعة والمصيبة جرس إنذار لضمائر المعنيين ليتشدّدوا في تطبيق كلّ ما من شأنه تقويم الاعوجاج في كلّ إدارات الدولة وطرد اللصوص وفتح المجال لأناس أكفاء ليقوموا بما يلزم، من أجل بناء دولة حديثة ومستقبل أفضل لنا ولأبنائنا، ولتفادي إزهاق الأرواح البريئة التي كلّ ذنبها أنها ولدت في هذه البقعة المشؤومة من الكون.

فما لا يختلف عليه اثنان أن أغلب طرقاتنا في لبنان، هي طرقات للموت دون جدال، بسبب الإهمال والتراخي في تطبيق الإجراءات الإدارية والفنية بحق المتعهّدين أكانوا شركات أم أشخاصاً، ففي الإجراءات الإدارية والفنية على كلّ المستويات الضمانة الكبيرة لأشغال سليمة فيها كلّ معايير وشروط السلامة العامة، فيما لو طبقت بضمير، لكن المشكل الأساس هي في الضمير عينه لكلّ من تسوّل له نفسه التلاعب في الإجراءات لتوفير بعض المال، وعلى حساب ذلك التوفير تسقط الضحايا واحدة تلو الأخرى، ويبقى السؤال: من يوقظ تلك الضمائر الميتة؟!

الجواب ضمير مستتر فيه وجوباً تقديره نحن

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى