«الرباعية الدولية» في موازين القوى الجديدة
نمر أبي ديب
شكلت المفاعيل العملية للتصادم العالمي الجديد، بيئة حاضنة لمتغيّرات جوهرية أصابت في عمقها الوجودي البنية الاستراتيجية لسياسات الدول الكبرى، و»عقيدة» جيوشها القتالية التي دخلت بها ومن خلالها دول القرار السياسي مراحل متقدّمة من «الاستثمار والصياغة» في مُجمَل ميادين المواجهة السياسية، الاقتصادية، وحتى العسكرية على قاعدة سدّ الثغرات، وردم الفجوات تلبيةً للحاجات الدولية من جهة، ومستلزمات المواجهة، ضمن تطورات «دراماتيكية»، فرضتها جُملة الوقائع المتسارعة لا بل المتدحرجة على الساحتين الإقليمية والدولية في مشهد استثنائي بامتياز، خارج حتى اللحظة عن دائرة الاحتواء السياسي وحتى العسكري، نظراً لغياب البدائل، وعدم تَوَفُّر مستلزمات التسوية، التي فقدت مع بدايات الحرب «الروسية الأوكرانية»، امتياز الترجمة الحقيقية انطلاقاً من عوامل عديدة مؤثرة وأساسية من بينها…
دخول العالم مرحلة الإسقاط الفعلي، والحقيقي لِمُجمل المشاريع الأميركية المُبَطَّنة وحتى المباشرة على امتداد الجغرافيا الأوكرانية وأيضاً خارجها في دول المواجهة، ونخصّ في الذكر الجمهورية العربية السورية، وتحديداً العلاقات التركية السورية، مع ما يعنيه التخلي التركي في هذه المرحلة، عن إنشاء «شريط حدودي» أو منطقة عازلة على طول الحدود الجنوبية مع سورية من خسائر سياسية للولايات المتحدة الأميركية وأيضاً عسكرية قد تطال من زوايا مُعيَّنة الوجود الأميركي الفاعل والمؤثر في دول المتوسط، مع التأكيد الميداني على حقيقتين :
1 ـ الكلفة العالية التي يتطلبها خيار «التسوية» في حسابات القوى الدولية مجتمعة، وهنا تجدر الإشارة إلى مركزية التسوية في الحياة السياسية الجديدة بالرغم من جميع المؤشرات، وجُملة الاعتبارات، التي طَرحت نفسها واقعاً في هذه المرحلة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر الكلام الصادر عن نائب رئيس مجلس الأمن الروسي «ديميتري ميدفيديف» الذي أكَّد من خلاله «أنّ روسيا لا يمكنها وقف الحرب حتى لو تخلت أوكرانيا عن تطلعاتها نحو حلف شمال الأطلسي».
2 ـ التأكيد على «فرضية المواجهة» في معركة تتخطى في أبعادها السياسية الحدود الأوكرانية، وتلامس بشكل واضح منطلقات الدول الكبرى، ومسلماتها الاستراتيجية التي قامت عليها سياسات الولايات المتحدة الأميركية، وغيرها من الدول الأساسية والأحلاف العسكرية، مثال على ذلك إعادة صياغة شاملة للسياسات الأميركية في «أفريقيا جنوب الصحراء»، ضمن محاولات استراتيجية الهدف منها مواجهة الوجود الروسي والصيني في تلك القارة، إضافة إلى عقيدة «الناتو» القتالية التي وجدت في «النهضة الصينية»، وفي طموحات الصين وصعودها المستمر تحدياً حقيقياً لمصالح «الناتو» لقيم حلف شمال الأطلسي، وأيضاً لأمنه الاستراتيجي.
نتحدث اليوم عن «رباعيات دولية»، قائمة على متلازمة مواجهة عالمية، ضمن محاور مشتركة، ومساحات نفوذ متداخلة شملت إضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية» و»أوروبا» المتمثلة بحلف شمال الأطلسي «الناتو» كلّ من «روسيا الاتحادية والصين الشعبية» التي نجحت ضمن فترات قياسية في رسم معالم انقسام عالمي جديد على مبدأ «الصين واحدة»، مفتتحةً في ذلك عصر الاعتراف العالمي بمكانة الصين، بدخولها المنتظم، ودورها الفاعل على كافة المستويات السياسية، العسكرية، والتقنية في بناء وتثبيت «النظام العالمي الجديد»، المتعدّد الأقطاب بـ رباعياته الدولية غير الثابتة وأنظمته المالية المتعدّدة الاتجاهات وأيضاً المحاور وهنا تجدر الإشارة إلى «حرب النفوذ»، إلى دورها الطبيعي في رسم وصياغة توازنات المراحل السابقة والحالية على قاعدة تضافر المصالح المشتركة، وتقاطع الاستراتيجيات.
ما يجري اليوم على الساحة الدولية، والإقليمية تحديداً جزء لا يتجزأ من «معركة النفوذ» التي تسعى من خلالها الدول الكبرى إلى إضافة جديد سياسي وعسكري، على خارطة الانتشار العالمي من جهة ورسم توازنات المرحلة المقبلة من جهة أخرى وهنا تجدر الإضاءة على رباعيات مشتركة دولية/ إقليمية جديدة قيد النمو والتشكل، منها على سبيل المثال لا الحصر الصين، روسيا، إيران وتركيا بعد توفر مقومات «الشراكة السياسية» على أقلّ تقدير، وجُملة المتغيّرات الأساسية، من بينها الكلام الصادر عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي أكَّد من خلاله «رغبة تركيا بالتواصل مع سورية» مُضيفاً «ليس لدينا أطماع في الأراضي السورية».
عكست الرباعية الدولية بـ موازين القوى الجديدة التي تصدّرها المشهد العراقي وحرب الاستراتيجيات، مركزية «الصين الشعبية» في مراحل الصياغة الجديدة للنظام العالمي الحديث أكَّدت على متغيّرات سياسية عسكرية فرضتها التطورات المتسارعة على الساحتين الإقليمية والدولية كما أكَّدت على قيام شرق أوسط جديد بأحكام نووية، وعودة سورية فاعلة إلى ملفات المنطقة.