فرضيتان متساويتان: التسوية أو التصعيد
منجد شريف
تبدو المرحلة التي نعيشها معقدة للغاية، والكلّ يحبس الأنفاس إلى حين معرفة موقف الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين في ملف الترسيم البحري، وعلى هذا الإيقاع يترنّح تأليف الحكومة ومعها يترنّح سعر صرف الدولار في السوق الموازية، والمشهد الثابت في كلّ ذلك هو معاناة اللبناني تحت وطأة كلّ تلك الضغوطات.
لا شك بأننا نعيش أزمة اقتصادية غير مسبوقة، ومهما تعدّدت التحليلات والتفسيرات لما حلّ بنا من ويلات في حياتنا اليومية، فالجميع يعلم أننا ندفع ثمناً باهظاً لما يُسمّى الترسيم البحري بين لبنان وفلسطين المحتلة، هذا الترسيم الذي كان يشتهي الكيان الغاصب من خلاله ضمان مدّ الدول الأوروبية بما تيسّر من النقص الحادّ لديها من الغاز، بعدما قامت روسيا بقطعه عنها كنوع من الردّ الطبيعي على موقفها من الحرب على أوكرانيا، وما رافق ذلك من تصعيد أوروبي وأميركي.
حبس الأنفاس سمة المشهد السياسي، والانتظار ثقيل على الجميع، فدولة الاحتلال عازمة على استخراج النفط والغاز اليوم قبل الغد، بينما العقدة الأكبر التي تواجهها على هذا الصعيد هي التعاطي مع التهديد الكبير الذي يتربّص بها من لبنان من خلال المقاومة، وهذا ما تقابله هي بتهديد آخر، وتتوعّد فيه بالويل والثبور وعظائم الأمور، بينما الحاجة اللبنانية لاستخراج الغاز لا تقلّ أهمية عن حاجة كيان الاحتلال «الإسرائيلي»، في المشهد اللبناني هناك الكثير من التطورات المتسارعة، فالحكومة لم تشكل حتى الآن، والترنّح في تشكيلها متصل مباشرة في كلّ التطورات في المنطقة، خاصة أنّ العدّ العكسي لشغور موقع رئاسة الجمهورية في لبنان قد بدأ، الأمر الذي يمكن ان ينجم عنه مزيد من التعقيد في مسألة الترسيم، ويجعل كلّ الخيارات متاحة، لا سيما خيار الحرب. ففي ظلّ شغور موقع رئاسة الجمهورية سيتذرّع كيان الاحتلال بالفراغ الدستوري على مستوى السلطة اللبنانية، وقد يلعب على عامل الوقت عند اللبنانيين لاختيار رئيس جديد للبلاد، مما يدفعه لاغتنام الفرصة في البدء بالاستخراج، رهاناً على التعثرات التي تتحكم بانتخاب رئيس عتيد، وتشكيل حكومة، وهنا يطرح السؤال نفسه:
هل سيكون ذلك ممكناً؟!
وتكمن الإجابة في المرحلة التي تسبق الاستحقاق الرئاسي، علماً أنّ ملف الاتفاق النووي قد أحرز الكثير من التقدّم بين الأميركان والإيرانيين، لكنه لم يصل بعد الى مرحلة النضوج، وما زال هناك العديد من العقد التي يجب حلها من أجل إبرامه، وهذا ما يلقي بظلاله على كامل المشهد في المنطقة، وبالتالي ستكون الأيام القليلة المقبلة حاسمة بين كلّ الفرضيات، وهذا ما يجعل الجميع يحبس أنفاسه إلى ما يمكن أن ينقله الوسيط الأميركي من صيغ تسوية ومعطيات تخص الترسيم، فإذا كانت زيارته لا تحمل ايّ تغيير، فعندها لا خيار سوى التصعيد مهما كان نوعه، وهذا ما توعّد به الأمين العام لحزب الله بعدم الوقوف موقف المتفرّج، بينما الشعب اللبناني يرزح تحن وطأة أزمة معيشية لا سابقة لها في تاريخ لبنان.
إذن فرضية الحرب مطروحة تماماً مثل فرضية التسوية، وهذا يقودنا إلى جملة من التساؤلات، فهل ستحاول دولة الاحتلال «الإسرائيلي» المماطلة واللعب على الوقت؟!
وهل سيكون الردّ حاضراً وحازماً؟
كيف سيكون ردّ العدو؟!
أم كلّ هذا التهويل بالحرب لتحسين موقع التفاوضي بين كلا الطرفين من أجل فرض الشروط؟!
أسئلة كثيرة تنتظر أجوبتها في الأيام القليلة المقبلة، بينما اللبناني يعيش سابقة لا مثيل لها في حياته اليومية، وما زال سيف الدولار مسلطاً، متأرجحاً صعوداً ونزولاً على إيقاع كلّ الأحداث والتطورات في لبنان وخارجه، والهمّ الوحيد لديه كيف يستطيع الصمود إزاء ما وصلت اليه البلاد من غلاء فاحش طاول كلّ مناحي الحياة اليومية.
ويبقى السؤال الأخير إذا تمّ الترسيم هل سيفك الحصار عن لبنان وتعود العجلة الاقتصادية الى طبيعتها، أم أنّ أمامنا وقت طويل للتعافي؟!
سؤال لا إجابة عنه إلا بعد أن يضع الترسيم البحري خواتيمه التعيسة أو السعيدة.