أخيرة

دبوس

وداعاً للوفرة

 

 

 

مسألة الجوع ومسألة الامتلاء هي مسألة نسبية، فأنت إذا عوّدت معدتك على مدى الزمن على الاكتفاء بعد التهام كيلوغرام من الطعام، فإنّ المعدة ستتمدّد على هذا الأساس، وستشعر بحالة بيولوجية تدعى الجوع، وهي من الناحية الميكانيكية تدعى الجذب المركزي، إذا لم تملأ بكيلوغرام في كلّ وجبة بعد ذلك، ولكنك إذا عوّدتها على الاكتفاء بنصف كيلوغرام من الطعام، فسيترتب على ذلك انّ حالة الاكتفاء ستطرأ حينما تقوم بالتهام نصف كيلوغرام من الطعام بعد ذلك، وهكذا دواليك.

البارحة حذر إيمانويل ماكرون شعبه الفرنسي بأنّ حقبة الوفرة قد ولّت، وانّ الشعب الفرنسي بإزاء مرحلة أخرى جديدة لن يكون فيها متاحاً ما كان متاحاً في السابق من التخمة، وأنّ فرنسا ستمرّ بحالة من الندرة في الأشياء بما في ذلك الطاقة، ثم انطلق بعد ذلك الى الجزائر في محاولة لتعويض جزء من الطاقة بنفطها وغازها، بعد توقف الإمدادات من روسيا

قديماً قيل، القناعة كنز لا يفنى، ولا أعتقد انّ المجتمعات الغربية تؤمن بشيء يُدعى القناعة، فهذه المجتمعات تبلورت كينونتها على أساس المراكمة واستحواذ كلّ ما قد تطاله يدها في هذا العالم من ثروات، إنْ بالحسنى أو عنوةً، من دون الأخذ بعين الاعتبار أية قيمة أخلاقية، إنساننا يبشره الله بالفوز والانتصار إن هو قام بالإعطاء والتصدّق في يوم ذي مسغبة، أيّ في يوم تكون فيه اللقمة عزيزة، وهذا هو ذروة الانتصار على قوى الجذب المركزي، هكذا علّمنا ديننا، وهكذا قام محمّد ببناء الذات الموضوعية فينا، ديدنها القناعة ونبذ المراكمة، وتتبوأ قضية مقاتلة الذات وعدم الانصياع لها لبّ وموطئ القمة في فلسفة المسيرة الإنسانية في هذه الحياة الملأى بقتال الذات، فنفس وما سوّاها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكّاها، وقد خاب من دسّاها.

سميح التايه

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى