كيف تمارس «إسرائيل» الهولوكوست على الأسرى الفلسطينيين…؟
الأسير أسامة الأشقر
يقول هنري فينغولد إذا لم يكبح جماح الدولة/ الأمة فقد تحترق حضارة كاملة بنيرانها. فهي لا تقدر على حمل رسالة إنسانية لأنّ جرائمها لا يمكن للأعراف الأخلاقية والقانونية أن تقف أمامها إنها مجردة من الضمير. من خلال هذا التأصيل لطبيعة وظروف ما حدث من مجازر بشعة فاق عدد ضحاياها العشرين مليوناً على يد النازيين يتضح لنا بأنّ الجماعات البشرية عرضة أيضاً للآفات والأمراض وأنّ تلك الحقبة المظلمة من تاريخ البشرية من الممكن جداً بل ومن المعقول أن تكرّر ذاتها في حقب زمنية أخرى.
وبالفعل فإنّ ما قامت وتقوم به الحركة الصهيونية من توظيف بشع وإجرامي للمحرقة على اعتبار أنّ “الهولوكوست” كمصطلح وكحقبة تاريخية وكجريمة ضدّ الإنسانية اقتصرت على جماعة بشرية محدّدة مع تعمّد إغفال أو إسقاط أو محو السياق التاريخي الذي جاءت فيه وما رافق ذلك من أحداث وطبيعة وأجناس وهوية الضحايا. وقد امتدّ هذا الاستخدام لعقود طويلة حتى بعدما “كافأ” الغرب الاستعماري الحركة الصهيونية وسلّمها رقاب ملايين العرب الفلسطينيين الذين مارست بحقهم أبشع الجرائم وأقامت على أنقاضهم دولة لها.
وحتى بعد إقامة هذا الكيان مارس “الضحية اليهودي” ذات الأساليب النازية على ضحيته الجديدة “الفلسطيني” وبرغم الفارق الزمني ما بين زمن المحرقة وما يقترفه الكيان “الإسرائيلي” من ممارسات الإبادة السياسية بحق الأسرى الفلسطينيين ما هو إلا استبدال لأدوات ووسائل التعذيب التي استخدمت في معسكرات الاعتقال النازية.
ومع تصاعد الخطاب اليميني الفاشي في الكيان وهو ذات الخطاب الشعبوي الذي يُذكّر بالخطاب النازي آنذاك بدأت تظهر بوضوح بعض الحقائق المتجذرة في هذا المجتمع الاستعماري الذي يرفض التعددية ووجود الآخر والاختلاف مما أدى لبروز كلّ أشكال العنصرية المتجذرة أصلاً داخل هذا المجتمع، حتى وصلت إلى شرعنة كلّ أصناف الاضطهاد والظلم والقتل الذي توّج باغتيال رئيس وزراء الكيان الصهيوني ذاته، والنتيجة المنطقية تتلخص كما قال زيجمونت بومان في أنّ العنصرية ترتبط حتماً باستراتيجيات النفور والعداء، فإذا كانت الظروف مواتية تستوجب العنصرية طرد الجماعة المكروهة من أرض الدولة وإذا لم تسمح الظروف بذلك، تتطلب العنصرية التصفية الجسدية للجماعة المكلومة. فالطرد والتدمير وجهان لعملة واحدة. وفي ظلّ هذا العمل اللاأخلاقي وما يشهده هذا المجتمع المتطرف من تحوّلات راديكالية بتنا نرى حجم التحريض والدعاية المغرضة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني بصورة عامة، حتى أنّ مناحيم بيغن رئيس وزراء الكيان سابقاً قال “إنّ الشعب الفلسطيني يريد تكرار المحرقة بحقّ اليهود كما فعل النازيون”، ما فتح الباب لأشدّ أنواع الممارسات والجرائم اللاإنسانية بحق من يقاوم الاحتلال أو مشاريع التصفية التي يقوم بها.
وهنا يبرز بشكل أساسي نوع الفعل الإجرامي المبرمج بحق الأسرى الفلسطينيين إنْ كان ذلك ضمن أساليب متعددة ومتنوعة للمسّ بحقوقهم بل والتخلص منهم بالقتل أو التصفية الجسدية على طريقة النازي في التخلص من الأعشاب الضارة، وهي من وسائل الهندسة الاجتماعية التي أنتجها الفكر النازي في قلعة فرانكفورت للدراسات، وهنا يأتي دور الأكاديميا “الإسرائيلية” التي تعتبر جزءاً أصيلاً في سياق ممارسة التعذيب بحقّ الأسرى الفلسطينيين بشكل حداثي، فما يحدث للأسرى الفلسطينيين في مختلف مراحل الاعتقال يأتي في ذات السياق… فقد تمّ تحويل المعتقلات والسجون ومراكز التوقيف “مفاصل مقاصل التحقيق” لمختبرات بشرية لإجراء الأبحاث العلمية بأبعادها النفسية والاجتماعية والسياسية عليها على طريق تنفيذ ما يصلح منها على ساحة الاعتقال الأكبر “الشعب الفلسطيني في فلسطين المحتلة”، ولكي تنجح التجارب الفعلية يأتي دور المنظومة القضائية الاستعمارية المساندة للمؤسسات الأمنية والتي تشكل جزءاً رئيسياً وفعّالاً في عملية الهدم المنفذة على البنية الفلسطينية من خلال إجراء المحاكمات الصورية التي لا تلتزم بأيّ من المعايير القانونية إنْ كانت دولية أو محلية. فلا يوجد أيّ محددات قانونية حقيقية تستند إليها منظومة المحاكم العسكرية الاحتلالية سوى الأوامر العسكرية الصادرة زمن الانتداب البريطاني على فلسطين والتي يبرز منها بشكل أساسي أوامر الاعتقال الإداري التي لا تحتاج لأيّ تهمة أو سبب مهما كان لاعتقال الآلاف وزجّهم لسنوات طويلة في المعتقلات الصهيونية، كما أنّ هذه المنظومة لا تعرف أصلاً في البعد السياسي للأسرى الفلسطينيين ونضالهم، وهي تنطلق من البعد الأمني كمحاولة منها لتبرير سياساتها والتهديدات التي تتعرّض لها والتي تصفها بشكل دائم بالوجودية وهناك آلاف الأدلة والبراهين التي تظهر التمييز والطبيعة العنصرية لمنظومة القضاء والمحاكم الصهيونية، فهي تحكم العربي أضعاف مضاعفة عن اليهودي على ذات التهم والأفعال، بل إنها لم تقم حتى الآن بأيّ محاكمة أو قرار ولو عقوبة واحدة بحق من يعتبرهم القانون “الإسرائيلي” إرهابيين يهود برغم جرائمهم اليومية بحق المواطنين والشعب الفلسطيني وحتى مع أقدس المهن الإنسانية تمارس المنظومة الطبية الاستعمارية التابعة لإدارات سجون الاحتلال أبشع أشكال التعذيب الممنهج على الأسرى الفلسطينيين لا سيما المرضى منهم، فعدد الأسرى الذين استشهدوا خلال السنوات القليلة الماضية وطبيعة الأمراض الغريبة المنتشرة بشكل كبير داخل صفوف الأسرى تؤكد بوضوح الاستهداف المباشر والممنهج له، ولكي نستطيع التحديد أكثر حول طبيعة الجريمة الطبية بحق الأسرى المرضى يوجد الآن داخل سجون الاحتلال عشرات المصابين بأنواع متعددة من مرض السرطان وهناك المئات من الظواهر الغريبة وغير المعروفة وحتى مع اكتشاف حالة هنا أو هناك فإنّ علاجها يستمرّ لسنوات طويلة وغالباً ما ينتهي هذا العلاج بإعلان الوفاة أو كما قال طبيب سجن نفحة لأحد الأسرى قبل عدة أيام لا يوجد لديّ علاج لحالتك! كما أنّ هناك مئات القرائن والأدلة والإثباتات التي تؤكد إجراء تجارب طبية بتواطؤ ما بين شركات الأدوية “الإسرائيلية” والجهاز الطبي التابع لمصلحة سجون الاحتلال، وهناك مئات الأسرى الذين تمّ تشخيص حالاتهم المرضية وإعطاؤهم أدوية مختلفة لذات المرض وذات الأعراض وهي تمارس بشكل يومي داخل سجون ومعتقلات الاحتلال، ونستطيع توثيق عشرات الحالات الطبية التي تعاني منذ سنوات طويلة دون متابعة أو علاج وفي سياق العقوبات الجماعية تمارس إدارات سجون الاحتلال العقاب الممنهج والجائر بحق الأسرى الفلسطينيين وذويهم في أقدس القضايا للأسير وهي زيارات الأهالي لأبنائهم الأسرى والتي تستخدمها “إسرائيل” كوسيلة للضغط والابتزاز والمساومة على الأسير وأسرته وهناك المئات من الأسرى يمنعون من الزيارات نهائياً بحجج وذرائع أمنية واهية غير حقيقية ومثلهم من يمنع أهله من الزيارة بحجة عدم وجود صلة قرابة، وهناك أسرى أكثر لم يستطيعوا رؤية أفراد عائلتهم المقرّبين “الوالدين” لسنوات طويلة. وتعتبر ظروف الاعتقال والاحتجاز من أكثر القضايا التي يعاني منها الأسرى الفلسطينيين فهم يعاملون بأدوات غير قانونية ولا ينطبق عليهم أيّ قانون، حتى انّ دولة الكيان اختارت لهم زياً موحداً مختلفاً تفرضه عليهم، وحول طبيعة وظروف الاعتقال والاحتجاز فأماكن الاعتقال والاحتجاز لا ترقى لأيّ صورة إنسانية فهي غير صحية وغير مناسبة للسكن الآدمي وغير مجهزة للعيش الآدمي وهي محصورة ومحددة بأماكن هي من أصعب الأماكن للحياة العادية.
وبهذا فإنّ “إسرائيل” التي أقيمت على أنقاض أرض وشعب فلسطين اعتبرت أنّ إقامتها جاءت كجزء من ضريبة التعويض العالمي لها عن الجرائم النازية بحق يهود أوروبا وهي ذاتها التي قامت وتقوم بإعادة صياغة ذات الخطاب النازي بوسائل وأدوات حداثية لإحكام السيطرة على الشعب الفلسطيني وهي التي تنفذ مجموعة كبيرة من الأعمال التي تصل إلى جرائم حرب بل وجرائم ضدّ الإنسانية بحسب تعبير القانون الدولي الإنساني وهي ما زالت حتى الآن تقوم بإجراءات سياسية وعسكرية واقتصادية لتعزيز التفوق اليهودي أو ما يعرف بالنقاء العرقي، كما أنها ما زالت تسعى بكلّ إمكانياتها لانتزاع الاعتراف بها كدولة لليهود فقط! وقد عززت هذه التوجهات بقوانين أساس أقرّت مؤخراً في الكنيست “الإسرائيلي”.
قانون الأساس: يُستعاض به عن الدستور الدائم للكيان العبري على اعتبار أنه لغاية الآن لم يقرّ دستور دائم له…