ما بين الخطاب والواقع… الفشل الغربي مع روسيا إلى أين؟!
فاديا مطر
مع البحث الغربي المستمرّ عن لملمة الوقت المتبقي قبل الشتاء في تشكيل مجموعة استفزازات تجعل من روسيا الاتحادية دولة غير قادرة على التأقلم مع المستجدات، تتحسّس روسيا جملة هذا الاستفزاز بحذر بعد تجرّؤ الغرب بتحويل الاستفزازات الى الشكل النووي في محطة زاباروجيا النووية، فالسعي لمسار يشبه كارثة تشرنوبل السابقة هو مسار خطير لن تبقى روسيا مكتوفة الأيدي أمامه، فلماذا هذا المسار الخطر قد دخل لعبة الغرب في أوكرانيا؟
تتحدّث الأوساط الغربية بعد الارتفاع الكبير والدراماتيكي في أسعار الطاقة عن تهديد حقيقي للنظام السياسي والاقتصادي لجسم الاتحاد الأوروبي لم يحدث منذ العام 1989 بحيث بدأت فعلياً أحادية التمكن أثناء الحرب الباردة بعد الحرب العالمية الثانية بالسقوط، وما عملت عليه الولايات المتحدة من تقويض لمكانة القطبين بعد انهيار الاتحاد السوفياتي قد بدأ بالفشل، فالحاصل الآن بشكله العسكري والسياسي يُغلف حقيقة الانهيار الاقتصادي الغربي، وما يمكن إخفاؤه عن أقلام الإعلام لا يمكن أن تخفي مفاعيله التحركات الشعبية التي قد تصل الى الشارع في أيّ لحظة خاصة بعد تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنّ «زمن البحبوحة» قد انتهى، فكيف إذا دخلت الحرب النووية حيّز التنفيذ لوضع روسيا في قلب المعركة قبل وصول التكتيكات الروسية الى مشاهدة السقوط الاقتصادي لأوروبا الذي بدأ فعلياً؟
هي المعادلة التي أدخلت زاباروجيا ومضيق تايوان في قلب المشهد الأميركي عبر فشل الدخول بحرب عسكرية مباشرة تجلب لواشنطن إنقاذ الإتحاد الأوروبي من رحى الارتدادات الاقتصادية بعد إعلان ألمانيا أنّ مخزونها من السلاح الإحتياطي قد نفذ بعد إرساله الى أوكرانيا، وبهذا لن تكون برلين قادرة على تزويد كييف بالسلاح بعد الآن بحسب ما صرّحت به صحيفة «ديرشبيغل» الألمانية في الأول من أيلول الحالي، فقد قدّمت ألمانيا أقصى ما يمكن أن تقدّمه…
من جهة أخرى بدأت الشركات الأميركية التي تتمركز بشكل رئيسي في الولايات المتحدة باستخدام شركاتها الفرعية في الإمارات العربية والهند وتركيا وغيرها من المناطق الحرة للدخول الى السوق الروسية لتغطية الخسائر التي خسرتها في تلك السوق وتعويض فقدانها للسلع التي ترغب في شرائها بحسب مواقع اقتصادية عالمية، وهذه الشركات التي غادرت روسيا تبحث عن طريق للعودة الى السوق الروسية عبر تركيا بالخصوص مقابل عمولة محدّدة لاستمرار الطريق بين روسيا وتركيا والإمارات العربية الى أسواق الولايات المتحدة، فقد تبيّن أنّ العقوبات الاقتصادية ضدّ روسيا قد فشلت بامتياز ولم تغيّر مجرى العملية العسكرية في أوكرانيا بل كانت مفاعيلها عكسية بشكل قد يُفضي الى خيارين إما الدخول في حرب شاملة أو القبول بالهزيمة الغربية كواقع لن تكون نتائج الخروج منه في الغرب مرضية بعد ارتفاع تكلفة الخسائر وضعف إمدادات الطاقة وضياع القرار النقدي وعدم القدرة على ترويض أسعار التكلفة للمستهلك وضعف سلاسل الإمدادات المعدنية والبتروكيماوية وشلل النشاط الاقتصادي العالمي، حيث يختلط الفشل العسكري الأميركي والغربي بالفشل الاقتصادي في عمق المعادلة الغربية في شرق أوروبا وآسيا…
هذا لم يُنقذ أوكرانيا في جعلها دولة قادرة على درء فقدان كلّ مقومات الصمود بعد فقدانها القدرة على الوصول الى البحر الأسود، وهو خطر انكسار عسكري وخطر اقتصادي مدمّر بفقدانها مقوم الدولة الساحلية لأنّ ذلك سيجعل من كييف غير قادرة على التصدير والاستيراد بالإضافة لفقدانها السيطرة على خط الوقود الأزرق باتجاه رومانيا، وهو ما سيجعل روسيا المتحكم الأوحد على هذا الخط وهو بذات الوقت يُعتبر انتصاراً كبيراً لموسكو على الغرب تقبله، لذلك كان الاعتماد من القلب الأوروبي في ألمانيا على تشغيل مشروع أنابيب السيل الشمالي 2 لنقل الغاز الروسي عبر بحر البلطيق والذي عُلق تشغيله بجملة العقوبات الغربية، وتعلم برلين أنها لا تستطيع التزام الرفض الكامل للغاز الروسي لذلك هي تعمل على إطلاق خط السيل الشمالي 2 لتقليل الضغط الاجتماعي بين المواطنين الألمان وسيقضي بذات الوقت على اعتماد قطاع الطاقة على خط أنابيب واحد بحسب صحيفة «ديرشبيغل» الألمانية، فقد توصّل الخبراء في معهد الأبحاث الاقتصادية ببرلين ومعهد إيفوفي ميونخ ومعهد الاقتصاد العالمي الى أنّ الخسائر الإجمالية في ألمانيا وحدها قد تبلغ في حال توقف الإمداد الروسي في العام المقبل نحو220 مليار يورو مما يجعل الفاقد بنحو 6.5% من مجمل الإنتاج السنوي بحسب وكالة تاس، وهو السبب الذي جعل كلّ من السلطات الفرنسية والألمانية تعتقد أنه لا بدّ من ترك قنوات اتصال معينة مع روسيا لضمان عدة أمور منها خفض التصعيد غير المحسوب وضمان حدّ أدنى من التعاون بشأن القضايا ذات الأهمية القصوى كمجلس الأمن والوكالة الدولية للطاقة الذرية بحسب موقع بلومبيرغ، فمجمل الحديث الغربي قد أقرّ بأنّ الغرب يواجه صعوبة كبيرة في الحفاظ على وحدته في المواجهة مع روسيا مع تصاعد المشاكل الاقتصادية مما يُقرّب الوقت من هزيمة مدوية بعد انقسام معسكره نحو نصف قابل للعودة بالتعامل مع روسيا ونصف آخر وقف على الحياد من العقوبات الغربية…
كما أنّ اقتراب الحرب من شهرها السادس قد أوضح الفجوة الكبيرة بين الخطاب الغربي المعلن وما وصل إليه من واقع كارثي بدأت معه سلسلة التنازلات التي تسابق الآثار المقلقة، مضافاً إليه فشل الرئيس الأميركي بتأطير المعركة على أنها ما بين الحرب والسلام، وما الخداع الذي لعبته الولايات المتحدة في قلب الملعب الأوروبي قد بدأ يُنشد الخلاص بأيّ ثمن قبل حصاد محصول الفشل بقرب الشتاء المقبل بقسوة شديدة…!