مأزق العدو والمفاوضات…
مأمون ملاعب*
تتنافس الأحزاب في كيان العدو في الانتخابات المقبلة على مقاعد الكنيست تحت شعارات: الأكثر عدوانية وشراسة والأقدر في توفير الأمن والاستقرار. هذا المشهد يوحي لنا بأنّ قادة العدو عاجزون عن تقديم تنازلات لا للبنان ولا لغيره فذلك يُعتبر انتحاراً سياسياً قبيل الانتخابات، دليلنا على ذلك أنّ لابيد رئيس الوزراء الحالي للعدو استعان بوزير الخارجية الأميركي ليطلب من الإدارة الأميركيّة إقناع نتنياهو، المنافس الشرس، بعدم استعمال ورقة الترسيم مع لبنان في الانتخابات.
من خلال دراستنا للمفاوضات التي أجراها العدو يتبيّن لنا أنه في كامب ديفيد وصع شروطاً تعجيزيّة ومذلّة على مصر وكأنه في حالة المنتصر بالحرب ووافق السادات ومع هذا لم توافق أحزاب اليمين على المعاهدة.
في وادي عربة لم يقدّم العدو أيّ «تنازل» لصالح الأردن بل كانت المعاهدة كلها لصالحه. كان من الواضح جداً انّ الليكود الحاكم أراد من مفاوضات أوسلو عدم الوصول الى ايّ نتيجة تعطي الفلسطينيين أقلّ المكاسب، بل كانت المفاوضات وسيلة من وسائل الحرب والعداء للفلسطينيين وحققت له المعاهدة في ما بعد نتائج أكثر من ايّ حرب، وإذا ما افترضنا انّ رابين كان سيقدّم «تنازلاً» ما فإنه قتل…
يُفترض عدم المقارنة بين تلك المفاوضات والحالية الجارية مع لبنان لكون الأخيرة ليست لغاية التطبيع لكن القاسم المشترك الذي نبحث فيه هو «التنازل» من العدو لصالح خصومه.
في نظرة على كيان العدو من الداخل نجد أنه يتوزع على أحزاب كثيرة كلها صغيرة (بضعة مقاعد بالكنيست) الحزب الوحيد الكبير هو الليكود والذي لا يشكل ثلث الكنيست، وبالتالي لا يمكن الوصول الى السلطة إلا من خلال ائتلاف تضع من خلاله الأحزاب الصغيرة شروطاً كبيرة، وقد شهدت السنوات الأخيرة سقوط حكومات وعجز متتالٍ عن تأليف الحكومات وإعادة انتخابات لتعود الى المأزق عينه.
المأزق والعقدة يكمنان في اليهود بحدّ ذاتهم. هم يعتقدون أنهم المختارون هم فوق البشر و»أرض الميعاد» هبة لهم من ربهم بوعده ولا يقبلون المشاركة بها مع أحد. هم بواسطة المال والخديعة حصلوا على نفوذ كبير في دول عديدة ذات قوة ونفوذ على الصعيد الدولي مكنهم من الحصول على دولتهم وعلى تأمين الحماية لها، بل أكثر من ذلك على ضرب شعبنا وتقسيمه وإضعافه وصولاً الى العام 1967 حيث أرضت النتيجة عنجهيتهم المتزايدة دائماً.
«إسرائيل» بعد حرب لبنان ليست نفسها عام 1967 وبيغن نفسه أصيب بأزمة نفسية عام 1983 بعدما سقط من جيشه أكثر من ألف قتيل على أرض لبنان. هو لا يستطيع التراجع ولا يستطيع الاستمرار. المأزق حين لا تؤمّن القدرة حاجة العنجهية. كلّ البهود في «إسرائيل» يريدون لغزة أن تسقط في البحر لكنهم يخافون صواريخها.
وصل إيهود باراك الى السلطة بعد وعد بالانسحاب من لبنان، بعد ذلك كرّت السبحة سلباً على كيان العدو، سقط باراك واضمحلّ حزب العمل، ذلك الذي قاد حروب الكيان الرابحة، ومنذ ذلك الحين والسلطة بيد اليمين المتشدّد فيما الأحزاب الكبيرة تتضاءل وتنقسم، وأحزاب صغيرة تفرّخ بأوضح صورة للتفتت والتشدّد معاً.
من خلال مراقبتنا لحركات قطعان المستوطنين اليهود واقتحاماتهم للأقصى واعتداءاتهم على المدنيين العزل والأطفال والنساء يتضح لنا انّ هؤلاء لا يملكون سوى الكره والحقد والعدوانية لنا ولا يتمنّون لنا سوى القتل والموت ويمرضون نفسياً حين يعجزون.
هوكشتاين ليس وسيطاً، إنه «إسرائيلي» بادّعاء أميركي. دوره في المفاوضات تمييعها. يعرف العدو كما الولايات المتحدة التركيبة اللبنانية ومأزق الدولة اللبنانية في ظلّ عدم القدرة على تأليف حكومة او انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فكلّفوه بتمييع المفاوصات وتمرير الوقت إلى ما بعد 31 تشرين الأول المقبل حيث موعدنا مع الفراغ وبعدها الشروع بنهج آخر.
صحيح أنّ اوروبا بحاحة ماسّة الى الغاز وأنّ أميركا تريد سدّ الحاجة من البحر المتوسط وتريد محاربة روسيا باقتصادها، لكن «إسرائيل» عاجزة عن مساعدة أوروبا وأميركا عبر «التنازل» والجميع يتأهّب ضدّنا.
العدو لن يقدّم «تنازلات» للبنان ولن يعلن الحرب وسيحاول استخراج الغاز فهل المقاومة جاهزة لإعلانها…؟
*مدير مكتب الرئاسة في الحزب السوري القومي الاجتماعي.