أولى

حرب الكوريدورات من شانغهاي إلى طهران

محمد صادق الحسيني

عندما زار أردوغان الجمهورية الإسلامية قبل أسابيع قليلة من الآن، في إطار قمة طهران الثلاثيّة الشهيرة والتي ضمّت قيصر روسيا أيضاً، والتقى قائد الثورة الإسلامية على انفراد قال له الإمام السيد علي خامنئي بخصوص النزاع بين أذربايجان وأرمينيا، والتي تُعتبر فيه تركيا طرفاً، بالحرف الواحد ما يلي:

«إيران لن تتخلى عن طريق العبور الدولي الاستراتبجي لها الى أرمينيا والذي عمره آلاف السنين، تماماً كما أنها لن تتخلى عن أراضيها، وانّ ذلك جزء لا يتجزأ من أمنها القومي، لذلك احذروا التورّط هناك لأنه سيضرّكم كثيراً، وقد جربتمونا في سورية…».

المعروف أنّ لدى إيران حدوداً مشتركة مع جمهورية أذربايجان كما مع جمهورية أرمينيا، اللتين كانتا جزءاً تاريخياً سابقاً من أراضي إيران الدولة، تمّ اقتطاعهما عنوة من قبل القياصرة الروس، ومعهما تالياً كلاً من قره باغ ونخچوان، في حربي 1813 و1823.

العدوان الأذربايجاني الأخير على أرمينيا والذي ذهب ضحيته نحو 50 ضحية من أرمينيا، لا يحمل معه ايّ مبرّر منطقي أبداً، لا سيما أنّ روسيا قد ضمنت وقف إطلاق نار شبه دائم بين البلدين هناك على اثر حرب قره باغ الأخيرة، سوى كونه عدواناً «إسرائيلياً» بأسلحة ومعدات «إسرائيلية» وصلت حديثاً إلى باكو، والغرض من ورائه طبقاً لمعلومات خبراء متابعبن، «إسرائيلي» وأميركي بامتياز، وهو ما بات مكشوفاً لدى العارفين ببواطن الأمور!

والهدف الأساسي من هذا العدوان المتكرّر هو قطع طريق التجارة الدولي الصيني الشهير المعروف بطريق الحرير الجديد «حزام واحد طريق واحد» والذي محوره إيران، التي تتوسّط طريق الشرق والغرب والشمال والجنوب كما هو معروف.

والتي تملك حدوداً مشتركة عند هذه النقطة محلّ النزاع الآن بالذات مع كل من:

أذربابجان، أرمينيا، نخچوان، وقره باغ..

فثمة كوريدور يصل إيران بأرمينيا عبر أراضي تزعم أذربايجان أنها متنازع عليها، تسمّى «زنك زور» تريد طغمة باكو بتحريض من تل أبيب وأنقرة الاستيلاء عليها عنوة لهدفين:

الأول: قطع التواصل الإيراني الأرميني القائم تجارياً واقتصادياً وطاقوياً عبر طرق سريعة ممتازة وآمنة (كوريدور شمال جنوب).

الثاني: قطع وضرب مشروع الصين الدولي الشهير «حزام واحد، إطار واحد» والذي يمرّ من هذا الكوريدور، والذي يمتدّ عبر إيران والعراق وسورية ولبنان الى شواطئ المتوسط.

واستبداله بكوريدور آخر، بعد اقتطاع هذا الممرّ الحيويّ، يربط بين أنقرة وباكو، لصالح تل أبيب وواشنطن، قائدة المعسكر المناهض لمحور المقاومة وثلاثي الشرق الصاعد إيران وروسيا والصين.

وتأتي هذه الخطوة الصهيونية الأميركية، عبر اليد الأذربايجانبة على خلفية اشتداد المعارك الأطلسية ضدّ روسيا في أوكرانيا وعشية انعقاد قمة سمرقند لمنتدى شانغهاي للتعاون (يومي 15 و16 سبتمبر/ أيلول الحالي) والذي يضمّ 8 دول أساسية ستنضمّ إليها إيران كدولة كاملة العضوية في هذه القمة لتصبح التاسعة، بعدما ظلّت عضواً مراقباً لسنوات.

القمة طبعاً دُعيت إليها 19 دولة كأعضاء مراقبين وكاملي العضوية معاًوهي ستكون قمة تاريخية ومفصلية في العلاقات الدولية والتعاون الأمني والاستخباري والتجاري والاقتصادي، وسيحضرها رؤساء إيران وروسيا والصين، والذين سيوقعون خلالها على اتفاقيات اقتصادية وطاقوية مهمة في ما بينهم وأيضاً مع الدولة المضيفة أوزبكستان، حيث ستوقع إيران وحدها ما يقارب 23 اتفاقية اقتصادية وتجارية مهمة جداً تعزز موقع إيران المحوري باعتبارها نقطة تقاطع جغرافي اقتصادي بين الشمال والجنوب والشرق والغرب كما ذكرنا.

ولما كان كل هذا يغضب واشنطن ويزيد من حنقها وحنق أدواتها وبيادقها، كانت إشارة العدوان الأذربايجاني على أرمينيا قد أطلقت بأمر عمليات أميركي.

مخلب الناتو وحارس مرماه الجنوبي أردوغان متواطئ لصالح واشنطن في هذه العملية العسكرية، بامتياز ومحرّض أساسيّ على هذا العدوان، الذي يستهدف التشويش على القمة الآنفة الذكر، كما قلنا.

إيران التي سرعان ما تواصلت مع الجارتين لتهدئة الأجواء، لكنها أسمعت باكو بما لا يحتمل التأويل، وطمأنت يريفان أيضاً، بأنّ اليد التي ستمتدّ لهذا الطريق الدولي، من أجل التعرّض له او اقتطاعه، ستضطر الى الدخول على الخط لقطعها أياً تكن النتائج فيما لو ثبت إصرار أطراف العدوان على تحقيق مآربهم.

روسيا من طرفها وهي الضامن والشريك الأساسي في كلّ هذه التحوّلات في آسيا المركزية، وتحديداً الضامنة لوقف إطلاق النار، بين باكو ويريفان، والتي لديها مراقبون على خطوط التماس دخلت هي الأخرى على الخط فوراً لمنع تفاقم النزاع وضرورة وضع حدّ لعدوان أذربايجان.

إنه عالم مضطرب بدأت فيه الجبهات تتداخل وتتشابك وتتبدّل، مع كلّ تحوّل على مسرح عمليات الحرب الشيطانية الأطلسية ضدّ الشرق عموماً، وروسيا بشكل أخص.

لكن الحصيف والبصير وصاحب التاريخ العريق، يعرف كيف يميّز بين الحقّ والباطل في كلّ معركة.

باختصار نقول إنها معادلات جديدة للقوة في جغرافيا آخر الزمان، إنه عالم قديم ينهار، مقابله عالم جديد ينهض.

بعدنا طيّببن قولوا الله

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى