مبارك أزارا باحثاً في أزمة النقد الأدبي الحديث في المغرب
صدر كتابُ «روافد التحليل في النقد الأدبي الحديث بالمغرب» للناقد المغربي د. مبارك أزارا، ضمن منشوراتِ كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن زهر، أكادير، ويقع في ست وخمسينَ ومئتي صفحةً. وهو في الأصل أطروحة جامعية ناقشها كاتبها عام 1992 تحت إشراف د. حسن المنيعي، وتكونت لجن المناقشة يومذاك من د. سعيد بنكراد ود. محمد الولي ود. محمد خرماش. والكتاب في أربعة فصول: الأول حول مناهج النقد الغربي الحديث، والثاني حول أزمة النقد المغربي الحديث، والثالث حول نوع المناهج الغربية الحاضرة في النقد المغربي. والرابع حول كيفية حضور المناهج الغربية في النقد المغربي الحديث.
في المقدمة يوضح الناقد الموضوعَ وإشكالَه العام ذلك أن هذه الدراسةَ مبنيّة على السؤال النقدي: أين تكمن أزمةُ النقدِ المغربي الحديث في تعامله مع الروافدِ الغربية؟ فالباحث يستقرئ الدراساتِ النقديةَ المغربيةَ الحديثةَ الموظفةَ للمقارباتِ والمناهجَ الغربيةِ. وبذلك. يمكن القول إن الدراسة تندرج ضمن ما يعرف بنقد النقد.
بعد المقدمة، ينتقل بنا إلى أول فصل من هذا الكتاب وعنوانه «مناهجُ النقد الغربي الحديث»، منطلقاً من فرضية العناصر الأربعة المتمثلة في المرجع والنص والمؤلف والمتلقي. فالنصُ الأدبيُ، كلُ نصٍ أدبي، لا بد له من هذه العناصر. وهذه الفرضية أسعفت الكاتب في تقسيم جميع المناهج النقدية الغربية أربعة أنواع: أولها، النقد المرجعي الذي يستحضر السياق الخارجي، وثانيها النقد النصي الذي ينطلق من النص بكونه مرتكزاً لتحليلاته، وثالثها، نقد المؤلف. ومن نماذجه التحليلُ النفسي للأدب، فالأدب يعتبر من هذا المنظور امتداداً للاشعور الكاتب، ورابعها نقد المتلقي وتعتبر مدرسة كونستانس الألمانية بمنظريها آيزر وياوس المنطلقُ الحقيقيُ لهذا التوجه.
يظهر لنا هنا أن المناهجَ النقديةَ الغربيةَ، على تعددها، واختلافها، هي رباعية التمظهر، فإما أن يكون النقد مرجعياً، أو نصياً، أو نقداً للمؤلف، أو نقداً للمتلقي، ما حدا بالباحث إلى التساؤل عن وظيفة المنهج النقدي والمقصود منه: هل الأمر يتعلق بركام من المناهج أم أنه يتعلق بتفنن في توليد المصطلحات؟
في الفصل الثاني، تحت عنوان: «أزمة النقدِ المغربيِ الحديث» يتطرّق الباحث إلى إشكال أزمة النقد المغربي الحديث، منطلقا من الخطاب النقدي الذي اتخذ من أزمة النقد المغربي الحديث موضوعاً له. ويتوخى د. مبارك أزارا من هذا الفصل مناقشة معضلة الأزمة للخروج بتصور واضح حول طبيعة الأزمة النقدية في المغرب.
قُسم الفصل الثاني ثلاثة أقسام، الأول يقترن بأزمة الثقافة العربية عامة لكون أزمة النقد المغربي جزءاً من أزمة ثقافية عامة بحسب بعض النقاد. وتتجلى أزمة الثقافة العربية في تأرجحها بين الثقافة العربية الإسلامية المزدهرة، والثقافة الغربية المتقدمة. وتبعا لذلك ظهر تياران، تيار محافظ يدعو إلى التشبث بالتراث للخروج من الأزمة الثقافية، وتيار ينشد الاستلهام من الثقافة الغربية. ويطرح المؤلف السؤال الآتي: «هل التراث صالح فعلاً لأن يعيش معنا بعض مشاغلنا الراهنة وقابل لان يعيش معنا مستقبلنا»؟ كما يعترض على الفكرة القائلة بارتباط أزمة النقد بأزمة الثقافة عامة. ففي نظره، ليس ضروريّاً أن يكون تراجعُ النقد وركودُهُ رهناً بتخلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وإلاّ ينبغي أن ننتظر الانفراج في هذه القطاعات ليتسنى للنقد العربي عامة والمغربي خاصة أن يجد حلولاً لأزمته.
يرصُدُ الدارس في القسم الثاني من الفصل الثاني آراء تتأرجح بين القول بغياب النقد المغربي، والقول بحضوره، مختتماً آراء هؤلاء النقاد بالقول مع د. محمد بنيس: «إن النقدَ موجودٌ في الساحة الثقافية في المغرب. هذا ما نؤمن به. والوضعية التي هو فيها هي التي تحتاج إلى المناقشة»، ما يؤكد أن الناقد مبارك أزارا يسلم بوجود النقد الأدبي المغربي، لكن ما يسترعي الانتباه طبيعة هذا النقد.
أما في ما يتعلق بالقسم الثالث المتمحور حول خطاب الأزمة النقدية، فيحدد فيه المؤلف أزمة النقد المغربي الحديث وهي بالأساس أزمة منهج ومصطلح. وتتمثل أزمة المصطلح في تضارب الترجمات للمصطلح الواحد، لذا يقترح أن تُفرد بحوث حول الترجمة النقدية والأدبية عامة، وأن تراجع المعاجمُ المزدوَجَةُ كالسبيل والمَنْهَل. وفي نهاية القسم الثالث، ينتقل بنا إلى مجال آخرَ هو الصراعُ النقدي الذي عرفته الساحة الثقافية المغربية، معتبراً إياه صراعاً إيديولوجيا وسياسياً في المقام الأول لا يمت إلى النقد بصلةٍ. ويخلص إلى أن الخطاب الذي يتناول أزمة النقد المغربي الحديث مأزوم بدوره. إنها أزمةٌ مضاعفة.
في الفصل الثالثِ يطالعنا الباحثُ بعنوان هو في صلب الأطروحة «نوعُ المناهجِ الغربيةِ الحاضرةِ في النقد المغربي الحديث». وللإجابة عن سؤال النوع، يركز الدكتور مبارك أزارا اهتمامه على المقدماتِ والفقراتِ التي يخصصها النقاد لتوضيح خلفِياتِهم ومنطلقاتِهِم المنهجية.
بعد تتبع حضور النقدِ النصي في النقد المغربي الحديث، يتوصل الباحث مُبارك أزارا إلى ثلاثة استنتاجاتٍ الرئيسية، أولها: إن اختيار بعضِ النقادِ المغاربةِ المناهج الغربيةِ ذاتِ التوجهِ النصي يُعزى إلى أن هذا النوعَ من التحليلِ يعتبر جديدا في الساحة النقدية المغربية مقارنةً بالنقد المرجعي. وثانيها لا يراعي هؤلاء النقاد خصوصيةَ الإبداع المدروس واستجابَتَهُ فعلاٌ للنقد النصي. أما الاستنتاج الثالث فيتمثل في المزاوجة بين النقد النصي الغربي والتراث النقدي العربي. وهذا المزج هو بمثابة إرهاصات لقيام تنظير نقدي في المغرب. هكذا، تنبه المؤلف إلى وجودِ دراساتٍ تتبنى»موضةً نقديةً تقوم على التنظير للمناهج النقديةِ من داخل النظرية النقدية الغربية. لكن هذا الأمر يثير في نظر الباحث مُبارك أزارا – الاستغرابَ، لا سيما أن التراثَ النقديَ العربيَ كان في معظمه نقداً للشعر، فكيف يوظَّف لدراسة الرواية. كما يرى أن النقدَ المغربيَ لم يجتز بعدُ ـ بحسب الفترة المدروسة ـ مرحلةَ الفهم ِوالاستيعاب، بل التمثلَ والتجاوزَ والتنظيرَ، وهذا تكريسٌ ومضاعفةٌ للأزمة النقدية بالمغرب.
يخصص الباحثُ الفصلَ الرابعَ من كتابه لدراسة النقد المغربي لناحية الكيفيةُ التي تُمارَسُ بها المناهج والمصطلحاتُ الغربية، ولناحية الطريقةُ التي يتعامل بها مع الإبداعِ المغربي وهو يطبق عليه هذه الروافد. ولمقاربة إشكالِ الكيفية، ينطلق من متنٍ نقدي محدد يتجلى في ثلاثة كتبٍ: أولها «ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب» لمحمد بنيس، وثانيها «الرواية المغربية ورؤية الواقع الاجتماعي» لحميد لحمداني، وثالثها «الرؤية البيانية عند الجاحظ» لإدريس بلمليح. وهذه الكتب الثلاثة تستند إلى رؤية منهجيةٍ قِوامها الانطلاق من منهج البنيوية التكوينية. وبالتالي، يتتبع هذا الفصل الكيفية التي تحضرُ بها الاجراءاتُ والمصطلحاتُ النقديةُ للبنيوية التكوينية في هذه الكتب.
هذه الدراسة التي تحمل عنوان «روافدُ التحليل في النقد الأدبي الحديث بالمغرب» تبحثُ في المناهج النقدية الغربية من حيث حضورها في النقد المغربي، بغية استخلاصِ علاقة النقد المغربي بنظيرِه الغربي من جهة، ولتتبع أزمة النقد المغربي الحديث التي يعتبرها الباحث مبارك أزارا أزمةٌ مناهج في المقام الأول من جهةٍ ثانية. والسؤال الذي يتحكم في مسار البحث: ما هي أزمةُ النقدِ المغربي الحديث في تعامله مع الروافدِ الغربية؟
اعتمد د. مبارك أزارا في معالجته قضايا الكتاب معالجةً استنباطيةً، منتقلاً من العام إلى الخاص، ومركزاً طرحَه ومناقشته في آراء مختلفةٍ لأدباء وباحثين متعددين. ومن الملاحظات التي يمكن إبداؤها بصدد الكتاب:
ـ لم يكتف المؤلف بالمراجع العربية، بل استعان بالمراجع الأجنبية، لرغبته في العودة إلى النص الأصلي تلافياً للوقوع في فخ الترجمة.
ـ الدراسةَ يطبعها الانسجام، فغالباً ما يربط الباحثُ السابقَ باللاحقِ، ويذكر بما ورد في الفصل السابق.
ـ بين الفينة والأخرى يطرَحُ المؤلف أسئلةً شائكة ويترُكُها معلقة. ويتجلى ذلك في قوله: «لنترك هذه الأسئلة وإجاباتِها الممكنة معلقة». «إنها أسئلةٌ نطرحها لمجرد التأمل، ونتركها هكذا معلقة»، ما يعني أن الباحثَ يطمح إلى أن تقترن إشكالية أزمة النقد المغربي الحديث بأطروحاتٍ ودراساتٍ أخرى. يقول في موضع آخر: «إنها أسئلةٌ نجدد التأكيد على أن الإجابة عنها غير ممكنة الآن وتحتاج إلى دراسة من نوع آخر».
ـ يتناولُ هذا الكتابُ النقد المغربي الحديث بأنماطه المختلفة: نقد الشعر، نقد القصة، نقد الرواية، ونقد المسرح.