تغيير المشهد الاستراتيجي العالمي…
} رنا العفيف
انطلاقاً من العنوان الذي يضمّ تقارباً ثلاثياً وتعاوناً حقيقياً، تسعى إليه كلّ من الصين وروسيا وإيران، للمضيّ قدماً نحو عالم جديد، عازمة كلّ منها جهودها على تكثيف التعاون في هذا الإتجاه، لتحسم كلّ من بكين وموسكو وطهران مسار التحدي الذي فرضته الهيمنة الأميركية، لتأسيس نظام عالمي جديد، فكيف يمكن أن ينعكس التقارب الصيني الروسي على الساحة الدولية، وأيّ تجاذبات ستحدث في ظلّ الحرب الدائرة في أوكرانيا، وهل ستنتج العلاقة بين هذة الدول تعاون؟
طبعاً العلاقة الثنائية التي تربط الدول الثلاث في الحاجة للانعتاق لسياسة العقوبات، وهيمنة الدولار الذي يخيّم على اقتصاد العالم، او على التعاملات التجارية الدولية بسبب الأزمة الأوكرانية التي خلفها الراعي الأول لها الولايات المتحدة، يحتم على روسيا والصين وإيران هذا التقارب الدولي في مواجهة تحديات مشروع إعادة الهيمنة الأميركية، وقد شدّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في رسالته على ضرورة توحيد القوى أثناء مكالمة هاتفية له مع نظيره الصيني بمناسبة الذكرى الثالثة والسبعين لتأسيس جمهورية الصين، وكذا بناء نظام دولي أكثر ديمقراطية وعدالة.
بمعنى أنّ ثمة تهديدات وتحديات معاصرة، تحدق ليس فقط في العالم وإنما على مستوى المنطقة وما فيها من مصالح مشتركة تربط هذا التعاون الاستراتيجي، ومنه يستوجب الحيطة والحذر في هذا الإتجاه، وكذلك بين الرئيس الإيراني القاسم المشترك، لتليها الصين التي تأبى أحادية القطبية في العالم، مؤكدة على عزم بلادها وإرادتها الجادة لتنفيذ التعاون الإستراتيجي الشامل الذي يعزز ويخدم المصالح المشتركة للبلدين.
نعم هناك إصرار واضح بدأ تتكشف معالمه في هذا التقارب الذي حمل رسالة مفادها، بأنّ الغرب ليس صاحب قرار، بعد أن قام الدب الروسي بضمّ المناطق الأربعة وتصويب سبل الدفاع عن وحدة أراضيها، وهذا طبعاً لا يحول دون تعاون بكين وطهران مع موسكو، لا شكّ أيضاً أنّ النظام العالمي يتشكل من حيث القوة التي لطالما وظفها الغرب لمصلحته، وهذا ما جعله اليوم يقف عاجزاً أمام روسيا، فتسارعت وتيرة تكتل الأخرى مع الصين وإيران، وهذا يستدعي بالضرورة أن يحدث توازناً للعلاقات الدولية ولو بشكل نسبي، ومع هذا يقول قائل، أن هذة العلاقات لا تكفي وأن علينا أن نتذكر بأن الولايات الأميركية ما زالت تسيطر على الإقتصاد العالمي من خلال الدولار الذي يسبّب عقدة الجميع عندما تكون هناك هزات، لكن على العكس تماماً…
التقارب الصيني الروسي له تجاذبات منها إيجابية ومنها سلبية خاصة على الساحة الدولية، سيكون له انعكاسات ولكن في السياق نفسه، هذا التعاون بين العواصم الثلاث يمثل خيار عنوانه الركائزي لا رجعة فيه، ومنه ستنطلق معركة كسر الأحادية القطبية في العالم وأصبح هذا يتطور عبر العلاقات الروسية الصينية رغم تعقيدات الوضع الدولي، إلا خطوات الكرملين قائمة على تحدي التهديدات الأطلسية الغربية، وبالتالي كلّ عوامل التقسيم التي دفعت بها واشنطن تصبّ في جعبة روسيا من حيث التنفيذ الميداني، بعد أن رأينا البيان الصادر عن انتوني بلينكن وزير الخارجية الأميركية، إذ تحدث عن أن الولايات المتحدة سوف تعاقب كل دولة تتعاون مع روسيا، وكأن الولايات لا تعرف أنّ لكلّ دولة سيادة وقرار تأخذه متى تشاء، أيضاً في مجلس الأمن تلقت واشنطن صفعة، نظراً للانحياز للفكرة الأميركية الصين ومن معها الهند والبرازيل تمثلان نصف سكان العالم، فما بالكم باقي الدول التي كانت ستأخذ منحى المسار ولكن ظروفها لا تسمح بذلك ولكن باعتقادي كنا سنرى تأييداً لروسيا ممن يرفض الهيمنة الاميركية،
أما بالنسبة لمن يعتقد أنّ الهيمنة الأميركية ستستمرّ في الاقتصاد، نقول لهم لا تراهنوا، لأنّ ريع الهيمنة هي نتاج الهيمنة في سياسة الاحتلال، أيّ بمعنى أنّ قوة الدولار ناتجة عن فرض الاحتلال الأميركي هيمنته على دول أخرى تسرق وتنهب ثروات الشعوب، وتدفع بهم لاتخاذ مواقف حازمة في العالم العربي والإسلامي، لذا اليوم الولايات المتحدة تطرح شعار من ليس معنا فهو علينا ومن هنا ستنطلق شرارة عملية كسر الحصار وبشكل فعلي ومتدرّج.
وبالتالي المتضرّرون من معسكر السياسة الأميركية، بات أوسع وتتسع لكلّ الدول التي قبعت تحت العقوبات الأميركية، لذا من المتوقع أن تنتج هذة العلاقة تعاوناً بين العواصم الثلاث، وستحقق أهدافاً شاملة وواسعة على أرض الواقع، فإيران وقعت اتفاقية استراتيجية مع روسيا، وعليه سنشهد تناغماً وتعاوناً على المسرح الدولي، فالقواسم المشتركة تجمعهم، فالأميركي يضع أصابعه في تايوان وأوكرانيا إلخ… حتى ولو كان هذا المسار تصاعدياً، إلا أنّ غالبية الدول اليوم تتجه شرقاً، وشيئاً فشيئاً تخسر الولايات المتحدة في مجالها الاقتصادي وهذا ما سيغيّر مشهد استراتيجية العالم والقضاء على الدولار الأميركي قضاء مبرحاً…