المقاومة والترسيم ومفارقات حصرية في قاموس السياسة اللبنانية
} خضر رسلان
على رغم من التحوّلات العالمية وأشكالها المتنوعة سواء عبر التطورات التكنولوجية الهائلة التي انعكست على كلّ جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية وثورة الاتصال الرقمي وعالم التواصل الاجتماعي التي أدخلت أنماطاً جديدة وتغييرات جذرية أصابت منظومة الأعراف والتقاليد، وعلى الرغم من الأزمات الدولية الحادة والتعقيدات الإقليمية، ومع اشتداد التباينات السياسية المحلية وحركة المدّ والجزر في موضوع تشكيل الحكومة الى شغور منصب رئاسة الجمهورية المتوقع، رغم ذلك، فإنه في المقلب آخر وبالتوازي مع كلّ المحن والشدائد يبقى لبنان مصدر إلهام وإبداع ويتماشى مع كلّ عصر بفضل وجود جهابذة تبتدع قواعد وابتكارات تبقي لبنان مثالاً يُحتذى… فكما اشتهر وتغنى أبناؤه بأنه بلد الأبجدية وشجر الأر،ز وأنه بلد عربي بلا صحراء، ويتعايش فيه الكثير من المذاهب فإنه في عالم التحوّلات ينتج معادلات وعناوين حصرية وصحيح أنها متسالم عليها عالمياً إلا أنّ الترجمة اللبنانية لها يدخلها في قواميس الإبداع والتميّز؛ ومنها مثلاً مفردات الاتهام في السياسة والحياد والسياديين، وآخر إبداعات هذا القاموس الخلاق إلصاق صفة التغييريين على مجموعة من النواب في تسمية غير مفهومة في الشكل والمضمون.
1 ـ الاتهام السياسي: «مفردة» دخلت قاموس المصطلحات اللبنانية بداية عبر أحد أمراء الحرب وتحديداً عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتبنّتها شريحة كبيرة من سياسيين واعلاميين بحيث يصبح الاتهام والإدانة والتجريم لأيّ جهة ما بناء على أهداف سياسية صرفة دون ايّ اكتراث لأيّ ارتدادات وتداعيات وفتن وحروب ممكن ان تقع نتيجة لذلك. وعند طلب الأدلة والبراهين يأتي الجواب: إنه اتهام في السياسة. وهذه المفردة من إبداعات القاموس اللبناني في المفردات المخالفة للمنطق والأعراف.
2 ـ الحياد: درج العديد من الجهابذه على اختلاق تفسير لبناني خاص لمفهوم الحياد بحيث أصبح من الحقوق الحصرية في القاموس السياسي اللبناني والذي يُقصد فيه ان تحيّد نفسك عن كلّ ما يُخالف الإرادة الأميركية ومشاريعها في المنطقة، وأكثر من ذلك أن تتبنّى الخيارات الأميركية كحال الموقف من الحرب الأوكرانية. وهذا النموذج اللبناني في الحياد يطرح معادلات تتناقض مع النموذج السويسري الذي يشترط الاحتفاظ بكلّ مفاصل القوة وبناء قوى رادعة مسلحة تضمن سيادة الدولة، بينما الحياد اللبناني يدعو الى التخلي عن كلّ أسباب القوة فلا حاجة لذلك لأنّ قوة لبنان في ضعفه وهي معادلة كفيلة بعودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم والنازحين السوريين الى بلادهم وحماية البلاد والعباد والثروات!
3 ـ السيادة والسياديون: أبرز مفارقات القاموس السياسي اللبناني والمتميّز جداً عن جميع المفاهيم والمصطلحات في العالم هو إطلاق مجموعة أحزاب وشخصيات على أنفسهم صفة السياديين، وهم حتما يهزأون من أنفسهم حينما يستمعون الى هذا التوصيف، وخاصة عندما يكونون في محضر عدد من سفراء الدول الذين يتلقون منهم تعليمات في السيادة الوطنية، سواء كان ذلك في الاستحقاقات الداخلية كقانون الانتخاب او تشكيل حكومة او انتخاب رئيس او في الخيارات الاقتصادية وأبرزها استيراد النفط والغاز والفيول وغيرها الكثير…
4 ـ النواب التغييريون: يتميّز القاموس السياسي اللبناني بقدرة عالية من المرونة والتكيّف مع الظروف كحال إطلاق تسمية التغييرين على مجموعة نواب لا يجمعهم إلا شيء واحد هو دخولهم البرلمان من خارج الطبقة السياسية، ولو جاء قسم منهم بدعم من هذه الطبقة، وقسم منهم بدعم خارجي كحال الكثيرين من أندادهم، والحق يُقال فإنّ معظم الشعب اللبناني وبعد أشهر على انتخابهم يعمل جاهداً على محاولة اكتشاف نعتهم بالتغيريين سواء كان ذلك ما رشح عن مونة لسفراء على بعضهم او في طريقة الإدلاء بأصواتهم تحت قبة البرلمان .
بناء على ما تقدّم ورغم حنكة الإدارة الحكيمة لقيادة المقاومة بدءاً من إعلانها بأنها خلف الدولة اللبنانية بما تقرّره حول الحدود البحرية، ومن ثم اضطرار الموفد الأميركي عاموس هوكشتاين لتغيير سلوكه وطريقة تعامله مع الإدارة اللبنانية الرسمية عقب رسالة المسيّرات فوق كاريش التي فهمها العدو «الإسرائيلي» بشكل جيد وشكلت انعطافة كبيرة نحو حصول لبنان على حقوقه وبعدما نجحت المقاومة في إجبار الصهاينة على التصريح العلني بأنهم لن يستخرجوا الغاز من كاريش رداً على رسالة المقاومة، ومع وضوح الأمر بشكل جلي من خلال الدور الحاسم للمقاومة في تحقيق ما هو مرجح إنجازه في ملف الترسيم، فإنّ جهابذة اللغة وأدعياء السيادة الذين هالهم سابقاً ما حققته المقاومة من انتصارات وهزيمة الجيش الذي لا يُقهر سيجهدون كما في السابق لاجتراح عبارات ومفردات تهدف الى تهميش ما أنجزته المقاومة، في محاولة يائسة كحال خياراتهم البائسة التي ستزداد بلا شك هشاشة وضعفاً أمام عنفوان واقتدار المقاومة التي تثبت يوماً اثر آخر أنها ومن خلال معادلتها مع الجيش والشعب الخيار الوحيد في حماية لبنان ونموّه واستعادة عافيته.