معادلة سقوط الهدنة والعودة إلى الحرب
} رنا العفيف
اليمن اليوم ليس كما كان في السابق، فلا هدنة بعد اليوم، ولا تمديد، وإنما معادلات فرضتها صنعاء على الساحة وبقوة في وجه العدوان، حرمان مقابل حرمان، وتقاطع معادلة المقاومة وغاز لبنان إلى نفط السعودية والإمارات، تساؤلات سياسية وضعتها اليمن على طاولة الرفض ألا وهي: لماذا قرّرت صنعاء رفض الهدنة؟ وهل يمكن القول إنّ الهدنة انتهت؟ والأهم هل اليمن قادر على تنفيذ معادلاته؟
لا شك بأنّ أساس هذه الحرب ومنذ بدايتها، هي حرب غير شرعية وغير قانونية ولا يجوز للمجتمع الدولي أن ينتهك سيادة اليمن أو يسمح بهذه التجاوزات لأيّ قوى، هذا إذا كان مجلس الأمن يمثل حقاً مجتمعاً دولياً عادلاً وسليماً يحاكي منطق السياسة الواقعة في المنطقة، لكن هذا المجلس ليس عادلاً بالطبع وليس سليماً أبداً، ولا يمت بصِلة إلى السياسية الأخلاقية والإنسانية.
كان المفروض بين قوسين أن يحترم مبادئ الدول التي تحترم قانونها ودستورها هذا أقلّ ما يمكن لأنّ اليمن دولة مستقلة، فلا عتب على مجتمع دولي وأممي مضغوط بشظايا الحقد الإمبريالي تجاه الشعوب العربية والشرقية عموماً.
اليوم تعود الأمور إلى مربعها الأول في اليمن وهو الحرب، بعد هدنة استمرّت ستة أشهر، ولكن بمعادلة جديدة تشهرها صنعاء في وجه العدوان، إذ ترى صنعاء بعد تجربة أشهر، شهدت خروقات من الطرف المقابل مع استمرار الحصار في المطار وميناء الحديدة، ما جعل صنعاء تؤكد فرض المعادلات بمنطق قوة السلاح، وطبعاً جاء هذا مفاجئاً على خلاف ما كان يتوقعه التحالف السعودي، في ظلّ ما يتعرّض له اليمن، طلبت واشنطن استمرار الهدنة، طبعاً ليس من باب أدب السياسة، إنما لتقوم بتزويد مصانعها وشعبها وبلادها بالإمدادات نظراً للأزمة العالمية الخانقة المتعلقة بالإمدادات النفطية، إذ مصادر الطاقة الموجودة في دول الخليج تستفيد منها واشنطن وبأبخس الأسعار، ناهيكم عن المصالح الأخرى لها في المنطقة، ما يعني أنّ الهدنة هي غطاء مؤقت تكمن في إضعاف اليمن، ليكون غير قادر على الاستقرار، فالهدنة يا سادة هي حقبة من المعارك التي ينتج عنها الموت البطيء بين قوسين محاصرة إجرامية تحت غطاء الهدنة، لأنّ تفاصيل الهدنة بحسب المنطق الأميركي ومن خلفه السعودي، خارجة عن نطاق السياسة الإنسانية، حتى خارجة عن سياق احترام حقوق الإنسان وشعوب المنطقة، وهذا ما يدركه اليمن بأنّ الهدنة عبارة عن إجرام قسري ووحشي، بناء على الاتفاقيات التي تضمّنت مواضيع الرواتب وفتح مطار صنعاء وإلى ما هنالك من أمور، تنصّلت منها دول العدوان ولم تنفذ منها شيئاً، وتحاول السعودية اليوم أن تستنسخ المنطق الواشنطي الإجرامي وتطبقه على اليمن، وبالتالي قال اليمن كلمته ووضع النقاط على الحروف: لا تمديد للهدنة قبل أن يحصل الشعب اليمني على كافة حقوقه، حتى ولو كانت المرحلة المقبلة قائمة على المفاوضات العلنية منها والسرية…
قد نشهد تطوراً لأنّ هناك دولاً تشارك في الحرب على اليمن بالرغم من حاجتها للطاقة، ولكن يجب أن نسلط الضوء على أهداف الحرب التي شنّتها دول التحالف وماذا حققت؟ لا يوجد نقاط ولا أهداف ولا مسار لهذه الحرب الضروس، إلا أنّ كلّ نقاط العدوان انقلبت رأساً على عقب، انقلبت على مصادرها وعلى شعوبها وليس على اليمن وأنصار الله، ونتحدّث هنا عن سياق هذه الحرب والقوى التي تنكر للواقع وتخاف من إنقاذه، فكان اللافت الأكثر أهمية في عملية الطرح هو ما كتبه الناطق باسم القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع على حسابه في «توتير» قائلاً «إنّ القوات المسلحة تمنح الشركات النفطية العاملة في السعودية والإمارات فرصة لترتيب وضعها والمغادرة»، وهذا بالدلالة العسكرية والميدانية، رسالة حاسمة في شأن السلم والحرب، فلا هدنة ولا ابتزاز بعد اليوم وعلى الطرف الآخر أن يحذر بعد أن باتت معادلة ما بعد الهدنة أشدّ ما يكون الوضوح، لتكون عنوان المرحلة المقبلة صنعاء تقلب الطاولة وتهدّد بالعودة إلى القتال، قد يتساءل أحد هل يراجع التحالف السعودي حساباته، ويستحضر ضربة أرامكو وأبو ظبي؟
لا تزال الظروف الدولية كما هي، لا سيما معطيات جديدة في المنطقة وتحديداً بين لبنان وكيان العدو «الإسرائيلي»، حيث كرّست المقاومة معادلة التهديد «استخراج مقابل استخراج»، لتتقاطع المعادلة بترسانة من الأسلحة اليمنية المتطورة، وكان بعضها قد ضرَب في العمق الإماراتي والسعودي، أيّ بمعنى «تضربوننا نضربكم، تحرموننا نحرمكم»، وكذا اليمن يريد أن يوسع ترسانته العسكرية بعد استعراضه القوة في ذكرى الثورة، لتصبح أبرز المعادلات الآتية هي اقتصادية وأمنية، بعد أن وصلت الهدنة إلى طريق مسدود، بل وبعد أن تعنّتت دول العدوان الهجمات،
وأخيراً يبدو أنّ دوافع جديدة تلوح بقواعد الصراع في توقيت ربما استراتيجي، متزامن مع أزمة الطاقة العالمية، قد تستثمر الوقت أنصار الله لطالما تتوعّد النفط مقابل النفط ورفع الحصار ودفع المستحقات، وبذلك إنْ قال اليمن وأنصار الله كلمته، فسيتوجب التنفيذ بمعادلة سقوط الهدنة والعودة إلى الحرب، رداً على مماطلة تحالف العدوان في الوفاء بالتزامات الهدنة المتسلحة أميركياً وهي قادرة على تفعيلها في غرغة عمليات مشتركة تجمع منصة من المعادلات بتوقيت المقاومة…