فشل الصفقة الأميركية ـ السعودية يضع لبنان على قارعة الانتظار

شادي جواد

هل بات الفراغ الرئاسي أمراً واقعاً، أم أن المسافة الزمنية التي تفصلنا عن الموعد النهائي لهذا الاستحقاق لا تزال كافية لإبرام تفاهمات وتسويات داخلية تؤدي إلى ولوج هذا الاستحقاق بشكل طبيعي ويصبح للبنان رئيس جديد، يتسلم مفاتيح قصر بعبدا من سلفه العماد ميشال سليمان؟

يقول أحد الوزراء في معرض إجابته على هذا السؤال: إن الانتخابات الرئاسية قد دخلت مرحلة الخطر، إذ إن الأفق الداخلي بات مقفلاً بالكامل أمام إمكان الوصول إلى التفاهم على رئيس توافقي أو وفاقي، وأن السلوك السياسي اليومي لدى كل الأطراف يؤكد أننا أمام طريق مسدود، وأن لا أملَ في الوصول إلى تسوية ما دام الأفرقاء متمترسين وراء مواقفهم التي باتت معروفة، فالأوراق أصبحت مكشوفة وكل فريق يعرف حجمه وموقعه، ويترجم ذلك مع كل موعد جلسة انتخاب يدعو إليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، إذ لا يوجد أيّ معطى يشير إلى إمكان حصول أي تبدلات في الخريطة السياسية الموجودة حالياً.

وفي تقدير الوزير أن المرشح الأوفر حظاً حتى هذه اللحظة اسمه الفراغ وشهرته الشغور. وهو ما يعني أننا سنكون أمام خيار واحد لإنقاذ الموقع الأول في الدولة، وهو الاستعانة بصديق على غرار ما كان يحصل في محطات سابقة، وعدا ذلك سنبقى ندور في حلقة مفرغة ولو دام الأمر أشهراً وسنوات. هذا الأمر إن حصل ستكون له ارتدادات قاتلة على مختلف المستويات من الصعب التكهن بنتائجها، إذ سيصبح لبنان كالجسم بلا رأس أيّ لا حول له ولا قوة.

وتوافق مصادر سياسية متابعة على تشخيص هذا الوزير للواقع الرئاسي، وتؤكد أن الكرة الآن في ملعب فريق الرابع عشر من آذار، الذي يعطل جلسات الانتخاب من خلال الاستمرار في ترشيح سمير جعجع للرئاسة، مقابل أن فريق الثامن من آذار لا يزال مرشحه غير معلن ويحاول من خلال هذا الموقف إبقاء الأبواب مفتوحة حتى اللحظة الأخيرة للنزول إلى المجلس النيابي باسم مرشح توافقي تصوت لصالحه كل الكتل النيابية.

وتعرب المصادر عن اعتقادها بأن لبنان سيبقى على قارعة الانتظار إلى حين انتهاء ولاية الرئيس الحالي في هذه الحال وبعد هذا التاريخ من الممكن أن يصبح التحرك من كل جانب مباحاً، فالتدخل الخارجي لم يصل بعد إلى المرحلة الجدية، وما قاله السفير الأميركي ديفيد هِل بعد لقائه الرئيس بري يؤكد هذا الأمر. الحَراك الأميركي وخصوصاً الزيارات التي يقوم بها هِل إن على المستوى اللبناني أو السعودي ولقاؤه الرئيس سعد الحريري، ما زال في طور استعجال إنجاز الاستحقاق. من دون أن تعطي واشنطن أي إشارات حول اسم أي مرشح رئاسي.

وفي تقدير المصادر أن الموقف الأميركي ناجم عن فشل إبرام صفقة أميركية ـ سعودية حول الاستحقاق اللبناني، إذ إن السعودية تحاول أن تكون أي صفقة مع الولايات المتحدة سلة واحدة بأن تشمل كل الملفات المفتوحة في المنطقة من العراق إلى سورية وصولاً إلى لبنان. ومثل هذه الصفقة متعذرة التحقيق في هذه المرحلة، لذا فإن الخوف من الوقوع في الفراغ الرئاسي هو خوف في محله ومبرر، قياساً للتعقيدات الموجودة على خط أكثر من ملف في المنطقة. غير أن هذا لا يعني في رأي المصادر أن صنّاع القرار سيتركون الحبل اللبناني ينفلت على غاربه، وأن بعد 25 أيار سيكون مغايراً لما قبله، فالتعاطي مع الملف اللبناني سيصبح مختلفاً، والعمل سينطلق على قاعدة الضرورات تبيح المحظورات بمعنى أن التسوية ربما تفرض فرضاً، منعاً من الوصول إلى ما هو أعظم. ومن هذا المنطلق لا ترى المصادر أن جلسة الانتخاب المقررة الأربعاء ستكون أوفر حظاً من سابقاتها، وهي لن تكون بالتأكيد مغايرة للجلسة التي ستليها، وهكذا دواليك إلى أن ينتقل الملف الرئاسي بعد 25 الجاري بكامله من أيدي اللبنانيين، ليكون الرئيس المقبل على غرار أسلافه من صناعة خارجية. إذ إن لبنان لم يعرف في تاريخه منذ الاستقلال أن يأتي برئيس من صناعة لبنانية اللهم باستثناء الرئيس الراحل سليمان فرنجية الذي تقدم على منافسه آنذاك الراحل الياس سركيس بصوت واحد فقط.

وفي رأي المصادر أن الدخول الإقليمي والدولي على الخط الرئاسي لن يكون سهلاً على غرار المحطات السابقة، فظروف المنطقة مختلفة كثيراً عن السابق، خصوصاً على مستوى العلاقة بين الدول المعنية، إذ تعصف الخلافات حول كثير من الملفات، ما يؤدي إلى بروز تعقيدات أمام أية تسوية محتملة، بما يجعل الانتخابات الرئاسية أمام مخاض عسير جداً قبل الإنجاز الذي ربما لن يتم قبل أيلول المقبل، بعد أن تكون صورة المشهد الإقليمي والدولي قد اكتملت من خلال إتمام الاستحقاقات الموجودة في أكثر من بلد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى