أولى

دعوة سويسرية تثير التساؤل…؟

‭}‬ بشارة مرهج*
لأول وهلة اعتقدت أنّ دعوة السفارة السويسرية إلى النواب اللبنانيين وبعض الشخصيات السياسية هي مخصصة للبحث في قضية الأموال المنهوبة أو المهرّبة من لبنان إلى زوريخ وجنيف والتي أودعت بنوكها الزاهرة، جنباً إلى جنب مع الأموال المشابهة التي تخصص بإيداعها أركان الأنظمة الفاسدة في العالم الثالث وسواه. والذي شجعني على هذا الاعتقاد أنّ الولايات المتحدة فتحت منذ سنوات ملف الأميركيين المشكوك بإيداعهم، تحت غطاء السرية المصرفية، أموالاً طائلة في بنوك سويسرا دون التصريح عنها للدوائر الضريبية الأميركية حيث انتهت القضية بتسليم أسماء المودعين الأميركيين الى واشنطن. وقد قيل يومذاك ان عدة دول أخرى حصلت على مبتغاها من السلطات المصرفية السويسرية لدرجة انّ الرأي العام العالمي اعتبر انّ السرية المصرفية لم يعد معمولاً بها في سويسرا أو العالم باستثناء لبنان الذي أصرّت سلطاته على صون هذا القانون وتحصينه.
وبعد التدقيق في الأخبار المتناقضة حول دعوة السفارة السويسرية في بيروت خاب ظني عندما برزت أخبار تشير إلى أنّ فحوى الدعوة لا يتعلق بأموال اللبنانيين المعلقة على الخشبة السويسرية، وإنما يتعلق بتنظيم طاولة مستديرة للبحث في قضايا لبنانية حساسة ليس الآن وقتها ولا يجوز ان تتقدّم على قضية أموال اللبنانيين (المنهوبة أو المهرّبة) في سويسرا أو في دول الاتحاد الأوروبي، على اعتبار أنّ هذه القضية تحتلّ، مع تشكيل الحكومة وانتخابات الرئاسة، المرتبة الأولى لدى اللبنانيين نظراً لأهميتها الحيوية لدى العائلة اللبنانية والاقتصاد اللبناني على حدّ سواء.
وأقول ذلك بناء على تصريحات سعادة السفيرة السويسرية في بداية الأزمة اللبنانية والتي عبّرت فيها آنذاك عن رغبة أوساط برلمانية وقضائية سويسرية في مساعدة اللبنانيين للكشف عن أموالهم واستعادتها. تلك التصريحات، كما نعلم، أشاعت الأمل والتفاؤل قبل ان تتلاشى تدريجياً مع مرور الزمن.
غير انه رغم غياب الموقف السويسري الإيجابي برزت مواقف أوروبية مماثلة للموقف السويسري الأوّلي مما أحيا الأمل مرة أخرى قبل ان يتلاشى بدوره ويغيب عن الشاشة تماماً.
وإزاء ذلك راح الكثير من اللبنانيين ينحو باللائمة على جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية التي أملت على أوروبا الاعتذار عن تقديم مساعدات حقيقية الى لبنان بينما هي تئنّ وتتظاهر ضدّ ارتفاع أسعار النفط والغاز التي ساهمت في رفع نسبة التضخم عالياً ومعها أسعار مختلف السلع والخدمات.
وبعد خيبات الأمل بمساعدة سويسرية أو أوروبية لاستعادة الأموال اللبنانية رحّب الرأي العام اللبناني بتصريحات مسؤولين أوروبيين كبار تدعو أركان الطغمة الحاكمة في لبنان للتقيّد بالشفافية وأحكام القانون والإصلاح من جهة، والإقلاع عن ممارسات الهدر والغدر والمماطلة، من جهة ثانية كشروط لا بدّ منها لمساعدة لبنان وتأمين القروض الميسّرة له من طرف صندوق النقد الدولي والصناديق العربية والدولية.
واليوم بعد محاولة سويسرا الحلول محلّ أوروبا في التركيز على الشأن السياسيّ في لبنان و”تجاهل” الموقف المالي الذي ينبغي طرحه أمام اللبنانيين أصبح من حق الرأي العام اللبناني دعوة السلطات الأوروبية والسويسرية ان تطبق على نفسها المبادئ والمناهج التي تشترطها على لبنان فتساعد بموجبها الشعب اللبناني على استرداد أمواله وحقوقه المهدورة لأنها تعرف قبل غيرها كلّ شاردة وواردة، وتعرف أسماء الشركاء السويسريين والأوروبيين الذين ساعدوا زملاءهم اللبنانيين على إيداع أموالهم الطائلة في البنوك السويسرية والأوروبية، أو استثمروها في العقارات والأسهم واليخوت. هذا مع العلم بأنه يصعب أو يستحيل، بالأحرى، إيداع عشرة آلاف دولار في أي بنك سويسري أو أوروبي أو أميركي قبل أن يتعرّض المودع لوابل من أسئلة لإثبات ملكيته للوديعة، وقبل أن تدرس إدارة البنك سجلاته وملفاته وتتأكد من سلامة وضعه المالي والقضائي.
*نائب ووزير سابق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى