سيسي لبنان أم عون مصر والسعودية طريقاً؟
روزانا رمّال
ما أن توضحت صورة المرشح الرئاسي المصري الأقوى عبد الفتاح السيسي حتى أخذت التحليلات لشخصه وتاريخه ومواقفه وسلوكه تتوالى من كلّ مراقب ومعنيّ.
البعض بدأ يتحدث عن تاريخه معتبراً أنه أولاً وأخيراً نتاج القيادة العسكرية في عهد مبارك، كما هو واضح… أما البعض الآخر فانتقده في أمور أخرى أكثر سياسية شدّت الانتباه في شخصه، فمن يتابع السيسي وشخصيته الكاريزمية وبراعته في الخطاب وحبس الأنفاس، ينتبه إلى تعاطيه مع جماعة الإخوان المسلمين، فقد كان بتكليف من المشير طنطاوي حلقة الاتصال بين المجلس العسكري وبين الإخوان، وما هو مؤكد بحسب ما ينقله عنه متابعوه أنه استطاع إقناع الإخوان المسلمين بأنه يقاسمهم ويوافقهم الرأي في قضايا عدة، وأنه بالإمكان الوثوق به إلى أن استطاع أن يعيّن من قبل الرئيس المعزول محمد مرسي خلفاً للمشير طنطاوي.
بعد فترة، عزَل السيسي الرئيس الذي عيّنه مشيراً، أو انقلب عليه كما تقول الجماعة.
صور كثيرة ومناسبات عدة جمعت الشخصيتين معاً… يصليان ويجتمعان، بدا السيسي الرجل الأكثر أماناً وثقة.
امّا اليوم… فعبد الفتاح السيسي هو الشخص الأوفر حظاً لرئاسة مصر، وعندما يُقال فيه إنه الأكثر حظاً، فهذا يعني أيضاً إضافة إلى الاتكال على شعبيته أنه الأكثر قدرة ووزناً على نسج علاقات خارجية مواتية لدور وحجم مصر، في اللعبة السياسية الإقليمية، وهو من استطاع الحصول على دعم خليجي بادئ الأمر تكفلت الـ6 مليارات دولار المقدمة إلى مصر بإدارة سعودية التأكيد عليه، إضافة إلى المصلحة المشتركة بين مصر والسعودية في المواجهة مع قطر والضغط الممارس من الجهتين على قناة «الجزيرة»، كلها دلائل تشير إلى الرضى السعودي عن السيسي، وهذا ما رفضه جزء كبير من الشعب المصري، لا بل تخوّف كثيرون من أن يكون السيسي عنواناً جديداً لتبعية مصر مجدّداً وانتقالها من حضن قطر تركيا «الإخواني»، إلى الحضن السعودي السلفي ، بعدما دعمت الجماعات السلفية ترشح السيسي، وكان أبرزها «حزب النور».
من هنا انتفض بعض من كان قد وجد في السيسي الأمل بالاستقلال وبالتخلص من التبعية، التي طالما غرقت فيها مصر في عهد مبارك، فكانت المساعدات الأميركية حينها، وبعدها المشاريع القطرية، واليوم السعوديون، والأخطر من ذلك تصاعد اللهجة التي تعتبر السيسي النسخة الجديدة لمبارك، خصوصاً أنه لم يقدم جديداً لناحية «إسرائيل» والعلاقة معها.
هذا المشهد نفسه موجود في لبنان. أو ربما يكون فيه «سيسي من نوع آخر». فما أن اتضحت صورة المرشح الماروني الأقوى الجاهز لخوض المعركة الرئاسية «إذا» تأكد التوافق الدولي والإقليمي عليه، كما هو واضح، ليعلن الترشح أو بمعنى آخر إذا ضمن الفوز، وهو العماد ميشال عون، حتى توالت الانتقادات لسلوكه وسلوك تياره في ما يخصّ الاستحقاق الرئاسي، بعدما أبدى ليونة استثنائية سياسياً، وتواصلاً وانفتاحاً غير مسبوقيْن في التعاطي الداخلي مع كلّ الأطراف النافذة في الاستحقاق وأبرزها تيار المستقبل حليف السعودية.
أول المستغربين أو الغاضبين سراً وبعضهم علانية جمهور الثامن من آذار، وأبرزهم جمهور حزب الله الذي يستغرب من جهة هذا الانفتاح، ويترقب من جهة أخرى ما قد ينتج منه، إضافة إلى تحفظه على سلوك الوفد اللبناني في القمة العربية المتمثل بوزير الخارجية جبران باسيل المنتمي إلى التيار الوطني الحر الذي يقوده عون، حيث لم يخرج من القاعة باسيل لدى بدء رئيس الائتلاف السوري المعارض أحمد الجربا بإلقاء كلمته، أي بمعنى آخر لم يتماش مع حلفائه الذين خرجوا من القاعة، كوزير المال علي حسن خليل، ولا حتى بالوزير السابق للخارجية عدنان منصور. إضافة إلى ما تأكد عن تواصل بين جبران باسيل وبين سفراء خليجيين ودبلوماسيين سعوديين على هامش أعمال القمة.
ارتاب اللبنانيون ومعهم جمهور الطرفين، لكن تعاطي حزب الله المرتاح إلى سلوك عون وتياره يوضح المستور أكثر… ويريح الجمهور «القلق»، وكأن حزب الله لا يمانع وربما ينظر مباشرة إلى الهدف الأعلى، وله مصلحة فيه، وهو «وصول عون إلى الرئاسة».
إنه إذن، انفتاح الرئاسة… في مصر ولبنان، فلسان حال السيسي وعون معاً: «إذا كان للسعودية قدرة على دعم وصولنا إلى الرئاسة فلمَ لا؟»
اليوم السعودية وغداً غيرها والهدف أسمى… تجربة السيسي والإخوان تؤكد انه لم يغيّر ثوابته بوجود الحاكم، ولم يتجاهل رغبة الشعب حين تكلم، كما وتجربته وانفتاحه على الروس من جهة والأميركيين من جهة أخرى، يؤكدان عدم التورّط في لعبة المحاور… أما تجربة عون مع المقاومة فتقول إنه لم يتراجع قيد أنملة عن مواقفه معها أو لها وفيها.
انه انفتاح الرئاسة، فلا عون سعودي ولا السيسي سعودي وما بدّلوا تبديلاً.