الحرب البيولوجية على عكا وقناديل البحر
} حمزة البشتاوي*
بعد مئتي عام على وفاة نابليون بونابرت المهزوم على أسوار عكا مسموماً بمادة الزرنيخ على يد الإنكليز وبعد أربعة وسبعون عاماً على النكبة، يكشف كلّ من المؤرّخ بيني موريس والمؤرخ بنيامين كيدار بأنّ الجيش «الإسرائيلي» وبأوامر مباشرة من ديفيد بن غوريون وموشيه دايان قاما بعملية تسميم الآبار في عكا وغزة عن طريق وضع البكتيريا في مياه الشرب وفي ذلك في شهر نيسان من عام النكبة 1948.
وأطلق على هذه العملية اسم (أعمل طبيباً) وأشرف على تنفيذها موشيه دايان شخصياً على أن تشمل لاحقاً مدن ومناطق عدة مثل أريحا وبئر السبع وصولاً إلى القاهرة وبيروت، وكانت هذه السموم قد صُنعت في المعهد «الإسرائيلي» للبحوث البيولوجية وأصيب بسببها العشرات من الفلسطينيين من أبناء مدينة عكا الذين يعانون اليوم من التلوّث البيئي جراء إلقاء مواد ملوثة ونفايات سامة في بحر عكا مما أدّى إلى إصابة أكثر من 54 صياداً غواصاً بأمراض سرطانية جراء تسمّمهم من المياه الملوثة، وينظر إلى هذا التلوث المخيف وكأنه جزء من عملية (أعمل طبيباً) كونه يهدّد الثروة السمكية في بحر عكا بالزوال.
كما يهدّد هذا التلوّث مهنة الصيد مصدر رزق الصيادين الذين يمنعون من ممارسة مهنتهم تحت حجج وذرائع مختلفة، ومنها عدم السماح لهم بالصيد لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر من كلّ عام، وتقليص مساحة الإبتعاد عن الشاطئ إلى 500 متر، إضافة للغرامات المالية والرقابة المشددة والمستمرة.
وقد أضيف إلى ذلك المنع أيضاً قنديل البحر الذي يشكل قلقاً كبيراً، وخاصة للصيادين الذين يعتبرونه أخف وطأة من قرارات المنع الجائرة وعمليات الإبعاد القسري لهم عن المهنة التي يتمسكون بها ويعشقوها كما يعشقون البحر الذي وعلى الرغم من ما كشف من أساليب الحرب البيولوجية وقناديل البحر ما زال يعدهم بالخير وأطيب أنواع السمك ومنها البوري والبلاميدا واللقز والسرغوس والفريدي، الذي هو أيضاً يقاوم كما قاوم العكاويون الحرب البيولوجية التي هجرت نحو 70% منهم عام 1948.
ولكن عكا الحبيبة التي انتصرت على نابليون والحرب البيولوجية وقنديل البحر سوف تنتصر على التلوّث وتحافظ على رونق البحر وخيراته ورائحة الحب والرمل وقرنفل الهواء كي تبقى عكا أجمل مدن الساحل المأهولة بالتاريخ والواقع والجمال.
*كاتب وإعلامي