من»سيف القدس» إلى «وحدة الساحات»
} د. هاني سليمان
في صيف 2021 قادت حركة حماس وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية معركة «سيف القدس» حيث انطلقت الصواريخ من غزة تدك تل أبيب انتصاراً للمقدسيين المرابطين في المسجد الأقصى.
يومها تلقيت خطاباً جوابياً من المجاهد إسماعيل هنية يقول لي: «من غزة عاصمة فلسطين العسكرية الى القدس عاصمة فلسطين السياسية، المعركة مفتوحة، والمفاجآت الإيجابية على الطريق». وتأخذك الأفكار والارتقابات الى المفاجآت السارة. ما أبهرها وأبهجها هذه الأيام. حيث تحوّلت القدس من عاصمة سياسية الى عاصمة عسكرية أيضاً.
وفي عيدها الميمون الخامس والثلاثين تصدرت حركة الجهاد الإسلامي معركة وحدة الساحات في ظلّ احتضان الشعب الفلسطيني وهبّته المباركة وامتشاقه كلّ أنواع الأسلحة المتاحة فإذا بالمجتمع الفلسطيني في الضفة واحد موحد. هذا في الوقت الذي تسطر فيه حركة فتح عبر «شهداء الأقصى» أبلغ التضحيات التي كان آخرها الطبيب الفتحاوي عبد الله الأحمد (أبو التين). وبهذا يكتمل مشهد المجتمع الفلسطيني المقاوم بأبهى تجلياته، فإذا انطلق الصوت في مخيم شعفاط تردّد صداه في القدس وجنين ونابلس ورام الله وطولكرم، وفي كلّ زاوية في هذه الضفة الأبية التي راهنوا على تيئيس أبنائها بعد احتلالها، فإذا بالأجنّة الذين سمعوا في بطون أمّهاتهم صوت دبابات العدو تقتحم القدس سنة 1967، هم اليوم فرسان في معمودية النار التي تحيل رهانات العدو ركاماً وأسراباً وكوابيس مزعجة حول جدوى الاحتلال والاستيطان.
وفي آتون هذه المعركة يواصل مناضلو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في المعتقلات إضرابهم عن الطعام كسلاح انساني مدوّ يتردّد صداه في أسماع أحرار الأمة والعالم، فيسمع الأسير الأممي جورج عبد الله صوت أمعائهم الخاوية، ليعلن إضراباً عن الطعام تضامناً نضالياً وأخلاقياً لا يعرف طعمه إلا الثوار والذائقون ملذات الانتصار للحرية في كلّ مكان وفي طليعتهم الثائر الفنزويلي العالمي كارلوس والثائر الياباني العالمي كوزو أوكوموتو.
وفي ظلّ اليقين العميق بأنّ رهانات أوسلو قد أصبحت أثراً بعد عين، وأنّ الاستمرار بها هو حرث في الماء، أو هو استجداء لمصداق الحقوق التي لا تؤخذ بالرهانات الخائبة، يلتقي أكبر فصيلين أساسيين هما فتح وحماس وباقي الفصائل الفلسطينية في جزائر العروبة والأصالة، ليعلنوا على الملأ أنّ وحدة الموقف الفلسطيني هي أساس كلّ انتصار. هذه الوحدة ـ وبكل يقين ـ ما كانت لتكون لولا أنها جاءت نتاج صمود الشعب الفلسطيني وتضحياته في الداخل والخارج ورهانه الصحيح هذه الأيام على انّ الحقوق تؤخذ وتُنتزع ولا يمكن أن تُعطى أو أن توهب.
إنّ التحولات الكبرى لصالح محور المقاومة في المنطقة مشهود بها من أعداء هذا المحور، ولعلّ فلسطين هي عنوان هذه التحوّلات، بل هي بصمودها التاريخي ركنها الركين.