خواطر من وحي انتفاضة فلسطين المتجدّدة
} معن بشور
1 ـ الخروج من العصر الصهيوني
إنّ دحر الاحتلال من فلسطين والجولان ومزارع شبعا وكفر شوبا هو خروج من العصر الصهيوني المخيّم علينا منذ عقود. والخروج من العصر الصهيوني يعني لنا في الوطن العربي، لا سيّما في لبنان، الخروج من عصر التناحر الطائفي والمذهبي والعرقي والدخول إلى رحاب التماسك والوحدة…
والانتصار لفلسطين اليوم هو أولاً تنديد بالوحشية العنصرية الصهيونية المتمادية بدءاً من باحات الأقصى المبارك إلى كلّ الأراضي المحتلة، مدناً ومخيمات وآخرها الحصار الإجرامي لمخيم شعفاط… وما جريمة اغتيال القائد الفتحاوي الطبيب الشهيد عبد الله الأحمد (أبو التين) خلال إداء واجبه الإنساني إلاّ إبراز لهذه الوحشية التي لا توفر طفلاً أو شيخاً، طبيباً أو طاقم إسعاف، مقاتلاً أو إعلامياً، إلاّ وتستهدفه.
والانتصار لفلسطين اليوم يعني تضامناً مع أسراها الأبطال، لا سيّما المضربين منهم بسبب قانون الاعتقال الإداري، وهو القانون المشهود له بتنكّره للقانون الدولي والإنساني وأبسط حقوق الإنسان.
والانتصار لفلسطين اليوم هو انتصار لمبادرة لمّ الشمل التي أطلقتها الجزائر الشقيقة، وتبنّتها الفصائل كلها وقد أدركت أنّ أفضل ما تقدّمه اليوم للشعب الفلسطيني المجاهد في أرضه هو وحدة وطنية تتوّج وحدته الميدانية.
الانتصار لفلسطين اليوم هو سعي لإسقاط اتفاقات التطبيع مع العدو، قديمها وجديدها، وبناء تضامن عربي حقيقي على قاعدة تحرير فلسطين، كلّ فلسطين من الاحتلال وتحرير الأمّة، كلّ الأمّة، من مفاعيل المشروع الصهيو ـ أميركي الماثلة أمامنا في المشهد العربي المؤلم والحزين…
والانتصار لفلسطين اليوم هو بناء كتلة شعبية فلسطينية عربية عالمية تدعم المقاومة وتحاصر العدو وتفتح لفلسطين آفاقاً في كلّ صعيد.
2 ـ الى الشهيد الخالد الذكر عُدي التميمي
بارتقائك حيث ينتظرك العديد من الأنبياء والأولياء والشهداء حفرت في تاريخ وطنك وأمتك اسماً لا يطويه النسيان، ليست فلسطين وحدها غاضبة لاغتيالك، بل كلّ شرفاء أمتك… وسيدرك الاحتلال كم سيكلفه اغتيالك..
رحمك الله يا عدي…
وستبقى صلعتك.. ككوفية شعبك.. راية أخرى لثورة لن تستكين إلا بالنصر والتحرير باذن الله…
3 ـ لن نتعب…
تامر الكيلاني القائد في “عرين الأسود” وفي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين شهيد خالد في شلال من الشهداء في فلسطين ومن أجل فلسطين.
لن نتعب من تعداد أسماء الشهداء اسماً اسماً ما دام هؤلاء الأبطال مستعدّين لتقديم حياتهم من أجل وطنهم وأمتهم وحقوق شعبهم.
تامر الكيلاني بعد عُدي التميمي بعد إبراهيم النابلسي بعد رعد حازم… بعد… بعد… بعد… قافلة لا تنتهي من أبطال يشقّون طريق الحرية لفلسطين بدمائهم ويسقطون كلّ محاولات كيّ الذاكرة والتطبيع مع العدو.. ويؤكدون أنّ المقاومة، وخصوصاً المسلحّة، هي أقصر الطرق لدحر المحتل.
الخلود للشهداء…
الحرية للأسرى…
المجد للمقاومين…
العزة لأمهات الشهداء…
والنصر لشعب فلسطين العظيم.
4 ـ من يذكر؟
مَن يذكر حال جنوب لبنان قبل حرب التحرير عام 2000، ويذكر عمليات المقاومة المتصاعدة منه.
ومَن يذكر حال قطاع غزّة قبل اندحار المحتلّ عام 2005، ويذكر بطولات المقاومين في القطاع الباسل…؟
مَن يذكر ثورة الجزائر قبل الاستقلال عام 1962، ويذكر تصاعد وحشية الجيش الفرنسي و”المستعمرين” و”الحركيين” ضدّ شعب الجزائر؟
يدرك أنّ فلسطين التي تشهد هذه الأيام بطولات تتصاعد وشهداء يرتقون كلّ يوم، ووحشية صهيونية تتجاوز كلّ الحدود، باتت على قاب قوسين أو أدنى من أبواب انتصارها على العدو، لا سيّما إذا تحصّن المشهد الفلسطيني بإجراءات تنهي الانقسام، وبمراجعة لنهج التسوية الذي اتضح انسداده، ناهيك عن تخاذله، وإذا تحصّن هذا المشهد بمناخ عربي ـ إسلامي يعيد الاعتبار للقضية المركزية التي تسقط أمام أولوية النضال من أجلها كلّ الاعتبارات الأخرى.
رحم الله شهداء فلسطين الذين يشقوّن اليوم بدمائهم طريق الحرية، والشفاء للجرحى البواسل الذين جراحهم أوسمة على صدر الوطن، والحرية للأسرى الذين يصنعون لشعبهم من قلب السجون بشائر الحرية، والمجد للمقاومين الأبطال على امتداد فلسطين، وللمرابطات والمرابطين في الأقصى المبارك، فعلى صخرة كفاحهم وصمودهم يتكسّر جبروت الاحتلال.
5 ـ “خنساوات” عصرنا
من الظواهر التي برزت في الانتفاضة الفلسطينية المتجدّدة والمتصاعدة هي ظاهرة أمهات الشهداء اللواتي يستقبلن أبناءهن الشهداء بالزغاريد والابتسامات التي تجمع بين حزن دفين وثقة عارمة بالنصر، بل بذلك التضامن الرائع بين الأمهات اللواتي يزرن أمّ كلّ شهيد جديد وكأنهن يشكّلن رابطة لأمهات الشهداء أو هيئة متخصصة بهن.
ولعلّ أهمّ ما في هذه الظاهرة التي كانت تبدو فردية في الأيام الأولى للثورة الفلسطينية وتتحوّل اليوم إلى ما يشبه الطقس الرائع، هو أنها تعبّر على أنّ ما يجري في فلسطين اليوم ليس بطولات فردية يقوم بها أبطال شهداء بمفردهم فحسب، بل هو انتفاضة شعبية كاملة يشترك فيها كلّ فلسطيني، رجلاً أو إمرأة، شيخاً أو طفلاً، إعلامياً أم طبيباً أم مسعفاً.
وحين تصبح الثورة حركة شعب بأسره، كما نشهد اليوم في فلسطين، وكما شهدنا بالأمس في جنوب لبنان وفي قطاع غزّة، وفي الجزائر التي تستعدّ هذه الأيام لاستقبال الذكرى 68 لثورتها التحريرية، وحتى في فيتنام، ندرك أنّ الثورة باتت على أبواب النصر المؤزر بإذن الله.
رحم الله الشهداء، وحيّا الله أمهاتهم، خنساوات هذا العصر…