المكرّم الأمين الياس عشّي: فكر سعاده أنار لي طريق المعرفة
المكرّم الأمين الياس عشّي: فكر سعاده أنار لي طريق المعرفة
القاضي نبيل صاري: الياس عشّي صاحب الدور الريادي التربوي
الأمين رياض نسيم: الأمين الياس موسوعة قصائد ورسومات وقصص وروايات ودردشات صباحية ونماذج
تشكلُ مصادرَ للنهوض والتوثّبِ والعبورِ إلى المستقبلِ الحُلم
الدكتور كلود عطية: الأمين الياس عشي خَلّاقُ لغةِ الخطوطِ ومناقش الزمنِ وممتلك جذوة النضال
عبدالله ديب: سيرة غنية بين التعليم والأدب والفكر.. وفي مدرسةٍ فكرية شعارها العقل هو الشرع الأعلى
عبير حمدان
حين يمتلك الروائي والأديب روح اللغة ويبرع في تطويعها يتخطى مرتبة الوجود العابر مكرساً بإبداعه وقع سطوره وما تختزنه من رقي وإتقان في مناقشة الوعي لدى المتلقّي الباحث عن المعرفة التي من خلالها يواجه ظلام الجهل بالإدراك.
وحدَها الكلمة قادرة على ترسيخ الفكر الذي يتقد كشعلة مُحال أن تذوي طالما هناك أقلام حبرها لا يجفّ وكاتب يتقن طرح أفكاره البناءة ويناقش محفزا الأجيال على قراءة التاريخ كي يفهموا الحاضر ويصنعوا المستقبل الذي يليق بهم وبعظمة أمتهم. وما تكريم الأدباء إلا تكريم للذات ولقدسيّة الكلمات.
كرّمت عمدة الثقافة والفنون الجميلة في الحزب السوري القومي الاجتماعي الأمين والأديب الياس عشي، خلال حفل حاشد أقيم في قاعة مجلس إنماء الكورة – أميون، بحضور رئيس المجلس الأعلى في الحزب سمير رفعت والعمد: فادي داغر، ساسين يوسف، د. كلود عطية وأعضاء المجلس الأعلى قاسم صالح، عبد الباسط عباس وجورج ديب، ناموس هيئة منح رتبة الأمانة عباس فاخوري، منفذ عام منفذية الكورة باخوس وهبي، منفذ عام منفذية الضنية منهل هرموش وعدد من الأمناء وهيئات المنفذيات وفعاليات اجتماعية وجمع من المواطنين والقوميين.
بعد الافتتاح بالنشيد الوطني اللبناني والنشيد الرسمي للحزب السوري القومي الاجتماعي، استهلّ الحفل بكلمة للمحامي عبد الله ديب قال فيها:
«نلتقي اليوم للمشاركة في حفل تكريم حضرة الأمين الياس عشي رئيس هيئة منح رتبة الأمانة في الحزب السوري القومي الاجتماعي والكاتب والباحث والناقد الأدبي والمربي.
نلتقي في لقاءٍ ثقافي برعاية عمدة الثقافة والفنون الجميلة، والمثقفون في المجتمعات يصنفون أنهم النخبة التي تساهم في بناء المجتمع والإنسان، إلا أننا في بلادنا وصلنا إلى زمن أصبح فيه المثقف عملةً نادرةً يصح فيه القول للأسف إنه أصبح مهددًا بالإنقراض!
هذا البعد عن الثقافة وعن المعرفة ليس إلا خطة ممنهجة بتسطيح الشعوب وإفراغ عقولها من حب الثقافة والمعرفة، وهذا ما تطرق إليه مكرَّمنا بجانب من كتابه «الرقص في عيد البربارة على الطريقة الأميركية».
وكيف للمجتمعات أن ترتقي دون الثقافة والمعرفة، أوليس المجتمع معرفة والمعرفة قوة؟!»
وأضاف: «أما مكرمنا فهو ابن صافيتا التي ولد وعاش فيها حتى سنه السادسة، حيث تنقلت العائلة بين طرطوس وادلب، حتى استقرت في اللاذقية عروس الساحل السوري عام 1949، المدينة التي تعرّف فيها مكرّمنا على الحزب السوري القومي الإجتماعي والتي كتب فيها فيما بعد «في اللاذقية زرقة البحر تغتصب طفولتي» مستذكرًا في كتاباته هذه، المشاهد الوجع التي سجلتها ذاكرته عن ليل الثامن من تموز ليلة اغتيال حضرة الزعيم.
عام 1960 انطلقت رحلة مكرّمنا كمربٍ التي بدأها في مدرسة مار جرجس في بلدة عشاش، ومن ثم في مدرسة الآباء البندكتان في القبة بطرابلس، حيث شغل منصب نائبٍ للمدير وأستاذ للأدب العربي والفلسفة الإسلامية، طرابلس التي سكن فيها وأصبح من نسيجها ومن أبنائها، ومع بداية العام الدراسي 1970-1971 تعاقد مع مدرسة طرابلس الإنجيلية كمنسق للأدب واللغة العربيين وكأستاذ للمادتين، وبقي فيها مدة ثلاثين سنة، وبعدها أنهى رحلته مع التعليم في ربوع الكورة الخضراء في مدرسة الإنترناسيونال سكول حيث علم فيها مدة خمس سنوات.
له العديد من المقالات التي نشرت في كبريات المجلات والصحف وهو في العشرينيات من عمره، كما لمكرّمنا العديد من المؤلفات ومنها «أبو النواس، أبو فراس، رحيل العصافير، وطن للبيع فمن يشتري، المبسط في القواعد والعروض والبلاغة، العبور من سقراط إلى سعاده، من ذاكرة الوجع، دمعة… ويبدأ الكلام، الأسلاك الشائكة وحقول الياسمين، السيرة الذاتية لعصفور أضاع طريقه إلى الشام، دردشات صباحية (التي نشرت في جريدة البناء)، قصائد للحب… قصائد للغضب…، الرقص في عيد البربارة على الطريقة الأميركية، وأخيرًا وليس آخرًا مقطع وفاصلة (من ذاكرة محمد يوسف حمود في كتابه ذلك الليل الطويل). الذي استطاع مكرمنا من خلاله مناقشة كتابٍ ظن العديد ممن واكبوا حضرة الأمين محمد يوسف حمود أنه فقد، فإذ به يعود بين أيدينا كتابًا مناقشًا من مكرّمنا.
وكما لمكرّمنا سيرة غنية بين التعليم والأدب والفكر، كذلك له سيرة غنية في مدرسةٍ فكرية شعارها العقل هو الشرع الأعلى فمكرّمنا أمين في الحزب السوري القومي الإجتماعي، وهو الأمين على ألق وأهمية هذه الرتبة منذ أن نالها، وخير دليلٍ على ذلك أنه انتخب عدة مرات عضوًا في هيئة منح رتبة الأمانة وهو اليوم رئيسًا لهذه الهيئة».
صاري
وألقى القاضي المتقاعد نبيل صاري كلمة تحدث فيها عن علاقته بالمحتفى به، لافتاً إلى أنها بدأت وهو تلميذ في مدرسة الآباء البندكتان في صف البكالوريا حيث كان الاستاذ عشي مدرسًا لمادتي الأدب واللغة العربيين، بالإضافة إلى كونه نائبًا لمدير المدرسة الأب جوزيف سمعان.
وتناول صاري موضوعاً في غاية الأهمية، وهو الإضراب الذي أعلنه طلاب المدرسة بقيادة الأستاذ الياس وذلك احتجاجاً على نية الڤاتيكان في تغيير مدير المدرسة الذي كان يفتح صفوف المدرسة لكل محتاج. والسبب أن الأستاذ الياس اقترح على الأب جوزيف سمعان أن نستضيف شيخًا ليعطي المحمديين دروساً في الدين لمرتين في الأسبوع، في الوقت الذي يكون فيه المسيحيون في الكنيسة يصلون. فلبّى المدير طلب الأستاذ الياس، وقامت الدنيا ولم تقعد: شيخ في مدرسة كاثوليكية. وكانت النتيجة عودة الأب جوزيف إلى المدرسة، واستمر الشيخ في التعليم. ومع انتهاء العام الدراسي، نقل الأب جوزيف إلى سويسرا، وترك الأستاذ الياس المدرسة ليصير أستاذاً للأدب ومنسقًا للغة العربية لثلاثين سنة في مدرسة طرابلس الإنجيلية للبنات والبنين.
كما ركز القاضي على دور الأستاذ الياس، كنائب للمدير، على معالجة قضايا التلاميذ.
نسيم
والقى المحامي الأمين رياض نسيم كلمة جاء فيها:
«نجتمع في هذه الأمسية الجميلة، وفي هذا اللقاء الفكري والثقافي الأدبي الجميل، لنكرم أستاذاً وأميناً وإنساناً مبدعاً، رائداً مقداماً، منتجاً فكراً وأدباً، ومناقشاً أصعب المواضيع الفكرية والأدبية والعقائدية، وكاتباً في أهم المجلات والصحف اللبنانية والعربية.
تعود بي الذاكرة في هذه العجالة إلى سنة 1974، كنت يومها تلميذاً في الصف المتوسط الرابع (البريفيه) في مدرسة طرابلس الإنجيلية للبنين، وكان الياس عشي أستاذ اللغة العربية وآدابها، وأتى عيد المعلم، فكتب أحد التلاميذ نصاً إنشائياً ختمه بالقول السائد «من علمني حرفاً كنت له عبداً». وضع أبو زياد ثلاثة خطوط حمراء على هذه الجملة وخاطبنا، إن المعلم لا يريد أن يكون تلامذته عبيداً بل أحراراً في أمة حرة، أحراراً يقودون الأمة والمجتمع نحو النصر… وأردف أن المعلم لا يريدكم أبداً أن تكونوا أذلاء بل أحرار في أمة حرّة، مضت سنوات لأكتشف أن هذا المعلم هو انطون سعاده».
وأضاف: «كنا نترقب بفرح كبير قدوم حصة اللغة العربية والأدب العربي، حيث يدخل الأستاذ عشي إلى الصف والضحكة تزيّن محياه، وكأنه من جيلنا، يشرح ويفسّر ويناقش ويشدنا إلى بريق كلماته، منه دخلنا الأدب الجاهلي والحب العذريّ والوقوف على الأطلال، وانتقلنا معه الى أدب صدر الإسلام، وإباحية عمر بن أبي ربيعة والمثلث الاموي الأخطل وجرير والفرزدق… لقد جعلنا نحب الأدب والشعر، فدخلنا معه الى عالم المتنبي وكبريائه، ومجون ابي نواس وتطيّر ابن الرومي، وعرفنا من خلاله بخلاء الجاحظ ورمزية إبن المقفع… شدنا إلى أبي تمام، وأبو فراس الحمداني، وغيرهم وغيرهم… وولجنا معه إلى أدب الخطابة.. وصولاً إلى الشعر والأدب الحديث، تعرفنا الى جبران، وأبي ماضي، ونعيمة، والريحاني، وسافرنا معه أيضاً إلى نزار. وأبو القاسم وشعراء من خارج المنهاج الرسمي كأدونيس وغسان مطر، ومحمود درويش وغيرهم».
وأردف: «ورغم تخرجنا وانتشار معظم الطلاب في بقاع الأرض، فإن علاقتي استمرت مع ابي زياد حيث تعرفت إلى عائلته المنتشرة بين طرابلس وطرطوس والخراب وضهر خضرا وبانياس واللاذقية، ولا أغالي أو أجافي الحقيقة إن قلت إني أصبحت وعائلتي جزءاً منصهراً مع عائلة أبي زياد.
في بداية سنة 2002 اختارني أبو زياد، أن أكتب مقدّمة كتابه «نهايات وبدايات ـ العبور من سقراط الى سعاده» تردّدت كثيراً في قبول المهمة، وبعد تفكير قبلت أن أخوض التجربة، وتبحرت في مسودة كتابه، وتوصلت الى نتيجة صادمة أن الرجل بلغ شأواً فكرياً وثقافياً وتجربة إنسانية واجتماعية وتربوية وضعته في مرتبة متقدمة على الساحة الفكرية.
مع كتابات أبي زياد، تعلّم أنه يحاكي تجربة مريرة في الفكر العربي، ويعالج اتجاهات عقائدية متعددة، فيه تجد النصَّ يعالج الفكرة في إبداعية متناغمة، فلا تتراجع الكلمة الجميلة المحبوكة بإتقان أمام الفكرة المعقدة التي تنساب بسيطة عميقة تلامس الجذور.
أما كتابه مقطع وفاصلة ـ من ذاكرة محمد يوسف حمود ـ في كتابه ذلك الليل الطويل.. فإن لظروف نشأة هذا الكتاب قصة وحديثاَ أترك المجال لأبي زياد أن يُخبرنا ذلك.
في هذا المجال أريد أن أقول إن الياس عشي يُحسن اختيار عناوين كتبه، ليشدّك العنوان للتبحر في نص الكتاب».
وقال: «في هذه الأمسية الثقافية التكريمية، وبحضور حضرة رئيس المجلس الأعلى وهو الإعلامي الكبير وعميد الثقافة والفنون الجميلة يستوقفني أمرُ بالغ الأهمية أرجو أن ندرك أبعاده.. إن عالمنا يتحكم به سلاحان، الأول هو السلاح النووي والثاني هو قلم (البيك) أعني الإعلام.. السلاح الأول معطل بحكم توازن القوى المرعب، السلاح الثاني هو الأفضل والأمضى والأجدى، ويمكنه في عالمنا اليوم الوصول بأفكارنا إلى ملايين البشر في ثوانٍ معدودة… سؤالي لماذا نحن متخلفون عنه، نتلهى بقشور السياسة، أين هو قلمنا وفكرنا وإعلامنا ومنهجنا وندواتنا لتكون أقرب إلى الناس ومعاناتهم.
أين هو إعلامنا الحرّ الصادق، الشفاف الذي ينقل الى العالم مفاهيم قضيتنا ونهضتنا وتراثنا، وعمق عقيدتنا.
كنت أرغب وأريد أن أطيل أكثر في مواضيع ثقافية وفكرية متعددة، ومتشعبة، ولكن لا أحب أن يقع الملل في نفوس الحاضرين، تاركاً ما يجول في خاطري الى لقاءات أخرى إذا سمحت الظروف».
وختم: «تبقى كلمة لا بد من قولها قبل أن أغادر هذه المنصة لأعطي لسيدة بيت أبي زياد حقها، فهي السيدة المبدعة، الراقية، فكراً، وعقلاً، وإبداعاً، تقرأ بنهم شديد وتشدّها الموضوعات الفكرية الراقية حيث جعلت من بيتها مع شريكها واحة فكر وثقافة وأدب، وزينت بيتها بمكتبة غنية.. هل تعرفون يا سادة أن أوليفيا عشي أيضاً هي كاتبة رواية.
إنك يا سيدتي تستحقين الثناء والتكريم وإلى ليال وزياد وزوجته وللصغيرين لين والياس صدق مشاعري ومحبتي.
أختم بما كتبته سابقاً لأقول، الغريب في ابي زياد أنه لا يشيخ.. بل يتجدد فكراً وعلماً، ليبقى منارة تهتدي بها الأجيال وأمثاله لا يتقهقرون بل يفرضون وجودهم في الحياة… انهم يتقدمون في الحياة وتتقدم بهم الحياة.
أبو زياد لك التحية.. وعسى أن تبقى دوماً استاذاً لي على درب الحياة والعطاء».
عطيّة
وألقى عميد الثقافة والفنون الجميلة الدكتور كلود عطية، كلمة جاء فيها:
«المجتمعُ معرفةٌ، والمعرفةُ ثقافةٌ لا تعرفُ الجمودَ، وإنما هي في تطورٍ وازدهارٍ لا ينضبُ…. فلا ازدهارٌ من دونِ ثقافةٍ تكونُ عمادَ الأمةِ، وصانعةَ مجدِها.
اليوم يبدو المشهدُ الثقافيُّ في حالةِ استسلامٍ كارثيٍّ لسيرورةِ عولمةٍ تحاولُ إلغاءَ بصمتِنا الثقافيةِ، وتبقى هناك استثناءاتٌ قليلةٌ حيثُ تبدو الخريطةُ الثقافيةُ السوريةُ أسيرةَ اشكاليةٍ معقدةٍ تتطلبُ درجةً عاليةً منَ الوضوحِ والفهمِ لإعادةِ هيكلةِ الجسمِ الحضاريِّ لأمةٍ طالما كانت تتعمدُ بالنارِ لتنهضَ من تحتِ الرمادِ وتنفضَ عن جسدِها ما أصابَهُ من ترهلٍ وخمول.
فلنسعَ لأن نكونَ أبناءَ سعادة، أبناءَ الحقِّ والخيرِ والجمالِ الذين يعملون للحياةِ وعزِّها وكرامتِها، فلنسعَ قدرُ الإمكانِ إلى صياغةِ مشروعٍ ثقافيٍّ قادرٍ على النهوضِ بأمتِنا إلى مستوى التحدياتِ المصيريةِ التي تواجهُنا، حيث تكونُ الخطوةُ الأولى هي السعيَ لإنشاءِ رابطةِ الكتّابِ السوريينَ القوميينَ الاجتماعيين َ لحفظِ حرفِهم من غضبِ الريحِ وبعثرتِها، ولنعملْ جاهدينَ على تأسيسِ مؤتمرٍ دائمٍ للمفكرينَ كي يتمكنوا من اللقاءِ البناءِ لمناقشةِ الأنشطةِ الثقافية».
وأضاف: «وأما اليوم فلنبقَ معًا تحتَ شعلةِ النورِ التي أضاءَها سعاده لنكرمَ من يستحقُّ التكريمَ لرقيِّ فكرِهِ ونقاءِ وجدانِهِ القوميِّ وألقِ حضورِهِ المتسمِ بالبلاغةِ والكبرياء.
انه شاعرٌ وناقدٌ وعاشقٌ للثقافةِ، هو واحدٌ من كبارِ المثقفينَ القوميينَ الاجتماعيينَ في الأمةِ السورية، بل هو خَلّاقُ لغةِ الخطوطِ وانحناءاتِ البوحِ في نصوصهِ، وفي مناقشةِ الزمنِ الذي تطغى عليه جذوةُ النضالِ في سنيّ عمرهِ الذهبي.
لقاؤُنا اليوم هو لتقديمِ الاعتزازِ والتقديرِ للمكرّمِ الأمينِ الجزيلِ الاحترامِ الياس عشي، وهو أيضًا للذين أتوا لمشاركتِنا الحفل.
نحنُ ندركُ أن العناصرَ المعرفيةَ في مجتمعِنا تمثلُ قوةً توليديةً للمفاهيمِ الاجتماعيةِ التي تبني أركانَ السلطةِ اللغويةِ في السياقاتِ الثقافية، وبما أنه لا يوجدُ تكريمٌ من دون دلالاتٍ، فكان لا بدَّ إذاً من هذه النافذةِ الاحتفائيةِ بالأمينِ المُكرم. لقد كانت قراءاتُ الأمين عشي، محاولاتٍ مهمومةً في البحثِ عن بدائلَ قيميةٍ، لتجاوزِ سقوطِ الأملِ والمرتجى الذي ارتبطَ بالأحلامِ الكبيرةِ التي ظلت تستنهضُ القوميينَ والمواطنينَ عبر عقود، وتمدُّ المبدعينَ السوريينَ في كافةِ متحداتِهم بالأفكارِ برهافةٍ خلّاقة، وتستحثُهّم للتعبيرِ عن ذلك الأمل: قصائدُ ورسوماتٌ وقصصٌ ورواياتٌ ودردشاتٌ صباحية، ونماذجُ تشكلُ مصادرَ للنهوض والتوثّبِ والعبورِ إلى المستقبلِ الحُلم».
وختم: «من منطلقِ إيمانِنا بأهميةِ أميون لما تكتنزُهُ من تاريخٍ نضاليٍّ لا يخفى على أحدٍ منا، ندعو لاتخاذِ خطواتٍ حثيثةٍ للنهوضِ بهذه المنطقةِ لتشرقَ فيها شمسُ العملِ الدؤوبِ وتذيبَ الجمودَ في حركةِ المواطنين. فنحن اليوم بأمسِّ الحاجةِ إلى انخراطِ جميعِ القوى في كلِّ متحداتِ الكيانِ لنثبتَ صدقَ انتمائِنا إلى فكرِ زعيمِ النهضة، ولكي نواجهَ التحدياتِ التي تعيقُ دربَنا، فأيُّ ركيزةٍ لا تستطيعُ أن تقومَ وحدها اذا سقطَتْ ركائزُ داعمةٌ لها، فلنكن الركيزةَ المحورَ ولنكن الركائزَ الداعمةَ المساندةَ، فنحن الحياةُ ومصدرُها وأبناؤها الذين لن يتخلوا عنها أبداً وإنما سيعملونَ متراصينَ من أجلِ إعلاءِ كلمةِ الحقِّ ودحرِ الظلامِ والنظرِ عالياً نحو الفينيقِ وهو يخلقُ زوبعةً في السماء.
عشّي
ثم ألقى المكرّم الأمين الياس عشّي كلمة قال فيها:
«أشكر من القلب قيادة الحزب السوري القومي الاجتماعي التي شرّفتني بهذا التكريم، كما أشكر عميد الثقافة والفنون الجميلة الدكتور كلود عطية الذي كانت له المبادرة في تكريمي، ومنفذية الكورة التي تبنّت المناسبة، وعملت على أن تكون بحجم ذاكرة الكورة المقاومة والرائدة على مستوى المعرفة والإبداع، كما أتقدّم بالشكر للحضور جميعاً الذين أعطوا هذا الاحتفال بعداً ثقافيّاً يليق بالكورة بما تحمل ذاكرتها من أسماء كان لها دور لافت في الفكر، والفن، والشهادة».
وأضاف: «هذا التكريم الذي حظيتُ به ليس تكريماً لي فحسب، بل هو تكريم لفكر سعاده الذي أنار لي طريق المعرفة، وحفّزني على الإيمان بقضية تساوي وجودي، فامتشقتُ قلمي وكتبت، وما زلت أكتب، وسأكتب، وإنْ سئلت: إلى متى ستبقى تكتب؟ أحلتهم إلى ابن المبارك الذي سُئل السؤال ذاته، فأجاب: لعلّ الكلمة التي تنفعني لم أقلها بعد.
وهو تكريم لتلاميذَ عبروا صفوفي، خلال خمسة وأربعين عاماً، الخمسة الأخيرة منها كانت في مدرسة IS في بيت رومين الكورة، تلاميذ تماهيت بهم، وأحببتهم، وخضت معهم تجارب أبعد من التلمذة، لنكون معاً على كلّ مرافق الأزمات. وما الصديقان القاضي نبيل صاري والمحامي الأمين رياض نسيم إلا نموذجان أشعر بالفخر والاعتزاز وهما يشاركان في تكريمي.
وهو، دون شك، تكريم لكلّ رفيق من رفقاء الحزب السوري القومي الاجتماعي، لا سيّما الرفقاء الشهداء الذين وقفوا وقفات عزّ، ورفضوا الانحناء».
بعدها، قرأ عشّي نصاً من كتابه «مقطع وفاصلة»، وهو كتاب يُعيد شاعر المقاومة الأمين محمد يوسف حمود إلى الذاكرة النظيفة التي صارت نادرة بعد أن لهث المطبّعون باتجاه العدو.
وتخلل الاحتفال توقيع كتابيه «مقطع وفاصلة» و«الرقص في عيد البربارة على الطريقة الأميركية».