نافذة ضوء
العقيدة القومية الاجتماعية
فكرة وحركة نهضة الأمة
} يوسف المسمار*
الدين كما ورد في عبارة أنطون سعاده هو «إيمان علوي أو دنيوي». وهذا يعني انه عقيدة. ومعنى العقيدة فكرة وإرادة تحقيق الفكرة. فإذا انفصلت الفكرة عن الإرادة أو الإرادة عن الفكرة سقطت العقيدة وأخفقت فترنحت الفكرة بين صفحات الكتب على رفوف المكتبات، وتحرّكت الإرادة خبط عشواء في المتاهات فتنعدم الفائدة من الفكرة ومن الحركة ولا ينتفع المجتمع بشيء. وكل فكرة او حركة لا تُخرج المجتمع من المتاهات ولا تحسّن حياة أبناء المجتمع تضرّ ولا تنفع.
وقد أوضح أنطون سعاده لنا بقوله:
«إن وجود المبادئ والتعاليم الأساسية للقضية القومية لا يكفي وحده لتحقيقها فلا بد من العزائم الصحيحة للعمل العظيم. والعزائم الصحيحة لا توجد في النفوس التي غلبت مثالبُها مناقبَها».
والحزب الذي أسسه سعاده هو حزب الأمة الحافظ تراثها، والمتوجّه بتعاليمه الى كل أبناء جيلها الحاضر، والعامل بكل إخلاص من أجل رقي أجيالها القادمة بترقية مناقب النفوس وتطهيرها من كل ما يمكن أن يعتريها من المثالب.
وأعضاء حزب نهضة الأمة هم أصحاب النفوس التي غلبت مناقبُها مثالبها وعليهم تقع مسؤولية تنمية المناقب الأخلاقية التي تحرّض أبناء الأمة على كل فعل مفيد.
فليس ليس مستهجناً، اذاً، ولا غريباً وليس جريمة أن تتوجه قيادة حزب الأمة وتثق بأي مواطن من أبنائها سواء كان دينياً علوياً أو دنيوياً اجتماعياً وتوقظ فيه مناقبية وأخلاقية الخير المجتمعي العام وتكلّفه بمهمة إذا كان جديراً وأهلاً لأن يتحملها بوعي وإخلاص وصدق فيصبح في يوم من الأيام رفيقاً عاملاً مؤمناً بتعاليم حزب الأمة، وصادقاً في عمله من أجل إبراز وجه الحزب بأبهى ما يستطيع كما يعمل سائر الرفقاء والرفيقات الذين كانوا قبل أن يصبحوا رفقاء مواطنين طيبين ومستعدين ان يكونوا جنود النهضة، كما حصل مع كل رفيقة ورفيق قبل انتسابه الى الحزب السوري القومي الاجتماعي.
فمقومات الأمة الأساسية في المفهوم الطبيعي السليم هي بيئة أرضية جغرافية طبيعية، وهي جماعة بشرية مقيمة في البيئة الطبيعية متفاعلتان فيما بينهما بقوة، أي تفاعل بين البيئة الطبيعية والجماعة المقيمة فيها وعليها يؤدي الى انتاج تاريخ ثقافي عبر الزمن يميز الأمة بنفسية واحدة وعقلية واحدة ومزايا تميزها عن غيرها من الجماعات فيشترك جميع أبناء الأمة في وحدة الوجود ووحدة الحياة ووحدة المصير.
وفي الوقت نفسه تتنوّع مواهب أبناء الأمة ومؤهلاتهم وكفاءاتهم وتتعدّد ميولهم وأفكارهم وإراداتهم وتتعدد بالتالي عقائدهم ويتنوع الإيمان فيهم بين إيمان علوي يهتم بما بعد الموت وإيمان دنيوي يحصر همه في الدنيا دون أن يعني إعفاء أي واحد من ابناء المجتمع من العمل الواجب لتحسين الحياة الانسانية وتشريفها في هذا الوجود.
والإيمان سواء كان علوياً او دنيوياً في الفكر والإرادة فانه لا يمارس ولا يمكن أن يمارس الا في هذا الوجود المجتمعي. فمن لا ينجح في الوجود بفكره وإرادته وصراعه يسقط إيمانه بنوعيه العلوي والدنيوي، وتخفق عقيدته سواء كانت دينية او مدنية، فردية او فئوية، انكماشية او انفلاشية.
هذا هو معنى العقيدة بحسب الفلسفة القومية الاجتماعية في الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي قال عنه مؤسسه أنطون سعاده في خطابه التأسيسي المنهاجي في أول حزيران 1935:
«إنه فكرة وحركة تتناولان حياة أمة بأسرها، انه تجدد أمة توهم المتوهمون أنها قضت الى الأبد، لأن العوامل العديدة التي عملت على قتل روحيتها القومية كانت أعظم كثيراً من أن تتحمل أمة عادية نتائجها ويبقى لها كيان أو أمل بكيان…».
هذا هو مفهوم العقيدة القومية الاجتماعية في الحزب السوري القومي الاجتماعي لا تتنكر لأي عقيدة تريد وتعمل لتجدد حيوية الأمة، وتنهض بحياة الأمة وتحافظ على سلامة وجود الأمة وعز مصيرها سواء كانت دينية او علمانية، فكرية أو أدبية، سياسية او اقتصادية او ما شابه ذلك…
وبهذا المفهوم الراقي يتضح معنى قول أنطون سعاده:
«نحن لا ننكر على أحد حق مناقشتنا في عقيدتنا، وكذلك نريد ألا ينكر غيرنا حق مناقشته في رأيه وتفكيره الذي يتعلق بحياتنا نحن ومصير حياتنا لأننا من هذا الشعب».
إن أعظم وسيلة لنشر الفكر وتعميمه وترسيخه في النفوس هو الكلام الحكيم، والأسلوب المناقبي اللطيف ومخاطبة أبناء الأمة على قدر عقولهم لا بالمصطلحات المعقدة التي يحتاج تفسيرها لحمل قواميس واستدعاء مفسّرين، ولا بالأضاليل والأفكار المستورة التي تبعد أبناء أمتنا عن السعي لتحقيق خيرها وتقدمها.
فإذا كان الرفقاء القوميون الاجتماعيون بعد تمرسهم قد تعودوا على بعض المصطلحات فلا يعني هذا أن التعابير والمصطلحات أصبحت مقدسة جامدة ثابتة لا تقبل تغييراً ولا تبديلاً، بل ان المقدس عندنا هو المبادئ الاساسية التي هي مكتنزات الفكر والقوى لترقية حياتنا والحفاظ على حقوقنا وحقنا في الوجود والرقي والمصير، والثابت الدائم على الأيام والشهور والقرون وعصور الزمان هو الغاية التي هي بعث نهضة سورية قومية اجتماعية يحققها الحزب لا الأفراد الذين يأتون ومهما طالت أجالهم يذهبون ولا يعودون.
نحن كما قال سعاده: «نحن في الحزب السوري القومي الاجتماعي لنخدم غاية الشعب بأسره. غاية المنضوين تحت لواء الحزب السوري القومي الاجتماعي وغير المنضوين تحت لواء الحزب السوري القومي الاجتماعي من الذين لم يتمكنوا من إدراك حقيقة نفسية المجتمع».
هذا هي عقيدة الحزب السوري القومي الاجتماعي فكرة تنوير بنات وأبناء المجتمع تقبل النور والتنوير من جميع بنات وأبناء المجتمع العلمانيين والدينيين وحركاته التنويرية لا التضليلية وكل المنتجين في جميع الحقول ولا تنكر إنتاج وإبداع كل منتج طالما يعمل ويجتهد لتحقيق الخير العام للمجتمع والحفاظ على سلامة وحدة المجتمع وتقدمه ورقيه.
*باحث وشاعر قومي.