مغادرة عون وسط عرس شعبي ضربة موجعة لواشنطن وأهداف حصارها
} حسن حردان
مثلما شكل انتخاب الرئيس ميشال عون رئيساً للجمهورية عام 2016 بدعم قوي من حليفه حزب الله المقاوم، ضربة موجعة للسياسة الأميركية في لبنان، شكلت مغادرة الرئيس عون القصر الجمهوري، وسط عرس شعبي لا يقلّ زخماً عن الاحتفال الشعبي لحظة دخوله قصر بعبدا قبل ست سنوات، فشلاً مدوياً للخطة الأميركية الانقلابية التي استهدفت عبر الحصار الأميركي وركوب موجة احتجاجات تشرين الأول 2019، إضعاف التيار الوطني والنيل من شعبيته باعتباره حليفاً قوياً للمقاومة…
فالولايات المتحدة كانت تستهدف حلفاء المقاومة بهدف عزلها على الصعيدين الوطني والشعبي، وصولاً إلى إضعافها في بيئتها الشعبية والعمل على نزع سلاحها لا سيما الصواريخ الدقيقة التي تردع العدوانية الصهيونية وتقلق كيان العدو وتحمي لبنان…
لكن نتائج الخطة الأميركية التي صرّح عنها المسؤول الأميركي جيفري فيلتمان في بداية عام 2019، ومساعد وزير الخارجية الأميركية السابق ديفيد شينكر في عدة تصريحات ومقابلات صحافية، لم تنجح بتحقيق هذا الهدف المركزي، الذي كانت واشنطن تعتبره المفتاح الذي يمهّد الطريق أمامها لإحكام هيمنتها المطلقة على لبنان وإخضاعه للإملاءات والشروط الأميركية وفي طليعتها فرض اتفاق لترسيم الحدود البحرية يحقق الأطماع الصهيونية، وكان هذا هدفاً أساسياً في الضغوط الأميركية، صرّح به شينكر عندما قال إنّ على لبنان قبول اتفاق للترسيم وإلا فليتحمّل التبعات، ايّ فليتحمّل مزيداً من الحصار الاقتصادي.. لكن حساب الحقل الأميركي لم يتطابق مع حساب البيدر، فلا المقاومة تراجعت شعبيتها، كما أظهرت الانتخابات النيابية الأخيرة، ولا حلفائها، على مختلف مشاربهم ضعفوا… كما لم يؤدّ التصويب الأميركي، والجماعات المتأمركة على الرئيس ميشال عون وتياره الوطني، والرئيس الرئيس نبيه بري، وتيار المرده، وفرض العقوبات على وزرائهم إلى جعلهم يرضخون للشروط الأميركية لترسيم الحدود البحرية، بل كانوا أكثر تمسكاً في الدفاع عن حقوق لبنان، وهو ما عكسته المفاوضات غير المباشرة التي قادها في البداية الرئيس بري، ثم تولى متابعتها الرئيس ميشال عون، بالتكافل والتعاون والتنسيق مع الرئيسين بري، وميقاتي، في موقف وطني موحد استند إلى قوة المقاومة ومعادلتها الردعية.. مما أثمر تفاهماً انتزع فيه لبنان كلّ ما أراده من حقوق ومطالب وشروط لترسيم الحدود البحرية من دون أن يقدّم لكيان العدو ايّ تنازلات سياسية أو اقتصادية تطبيعية أو أمنية، الأمر الذي شكل انتصاراً كبيراً للبنان…
لهذا فإنه من الإنصاف القول انّ عهد الرئيس عون قد بدأ بقرار وطني بتحرير الجرود اللبنانية من إرهاب داعش والنصرة، كاسراً الفيتو الأميركي بهذا الشأن، وانتهى بتحرير الثروة النفطية والغازية من الأطماع الصهيونية.. وعلى طول فترة رئاسته يُسجل له انه لم يتخلّ عن مواصلة دعمه للمقاومة، كما فعل خلال حرب تموز عام 2006 على الرغم من الضغوط الأميركية لثنيه عن ذلك…
وبالقدر الذي شكلت مغادرة الرئيس عون قصر بعبدا مرفوع الرأس وسط احتضان شعبي كبير هزيمة للخطة الأميركية، شكلت أيضاً هزيمة للقوى والجماعات اللبنانية التي حاولت شيطنته وتحميله مسؤولية استشراء الفساد والأزمة الاقتصادية والمالية التي تسبّبت بها الطبقة السياسية التي حكمت البلاد على مدى ثلاثة عقود جرى خلالها تحويل الاقتصاد إلى اقتصاد ريعي، وإشاعة الفساد على نطاق غير مسبوق مما أغرق البلاد بالديون وأدّى الى نهب المال العام.
واذا كان الرئيس عون لم ينجح في تحقيق الإصلاح ومحاربة الفساد، فإنّ ذلك يعود لأسباب عدة منها تحالف أطراف الطبقة السياسية التي وضعت العراقيل أمامه، وغياب التحالف الوطني العريض القادر على خلق موازين القوى لفرض التغيير، وهو ما عكسه فشل حكومة الرئيس حسان دياب التي شكلتها الأغلبية الوطنية حيث لم تنجح في أن تحكم وتخرج البلاد من أتون الأزمة بسبب عدم الاتفاق بين أطرافها على رؤية برنامجية للإنقاذ والإصلاح ومحاربة الفساد…