أولى

التّرسيم بين استثمار القوّة وقوّة الاستثمار…

‭}‬ شوقي عواضة
مع اجتياح العدوّ «الإسرائيليّ» للبنان عام 1982 انطلقت المقاومة اللّبنانيّة لمواجهة الاحتلال بإمكانيّات بسيطة ومتواضعة شأنها شأن أيّة حركة مقاومة انطلقت للتّصدّي للاحتلال ودحره. في نفس الوقت وعلى الضّفّة الأخرى انطلقت في المقابل قوى الرّجعيّة المتخاذلة مدعومة من الولايات المتحدة الأميركيّة والكيان الصّهيوني لتعمل بكلّ قوّتها وقياداتها السّياسيّة من أجل الحدّ من ظاهرة المقاومة وتوهين قدرتها على تحقيق الانتصارات وتحرير الأرض من الاحتلال «الإسرائيليّ» وعجزها عن مواجهة (الجيش الذي لا يُقهر) بترسانته العسكريّة ونخبة قوّاته، متبنيّة ثقافة الهزيمة التي تقول بأنّ العين لا تقاوم المخرز.
ففي قراءة سريعة لإنجازات المقاومة مقارنة بـ (إنجازات) تلك القوى السّياسيّة التي لا تزال ترتبط عضويّاً في تنفيذ مشاريع الغرب وفي مقدّمته الولايات المتحدة الأميركيّة إضافة إلى الكيان الصّهيوني لوجدنا ما يلي:
1 – على مدى أكثر من أربعين عاماً أثبتت المقاومة جدواها محقّقةً المزيد من الانتصارات وتحرير الأرض عام 1985 وعام 2000 وانتصارها بحرب تموز 2006 وأخيراً في معركة الحدود البحريّة والنّفط والغاز.
2 – أثبتت المقاومة دائماً جهوزيتها واستعدادها للدّفاع عن لبنان وفرض معادلاتها على العدوّ الذي اعترف على لسان قادته بهزائمه المتكرّرة.
3 – تحوّل المقاومة في لبنان إلى قوّة إقليميّة أثبتت قدرتها في مواجهة العدوّ ومواجهة المشروع الأميركي في المنطقة .
أمّا إنجازات القوى السّياسيّة المناهضة للمقاومة والملتزمة تاريخيّاً بمشاريع الإدارة الأميركيّة والغرب وصولاً للعدوّ «الاسرائيليّ» فما زالت تعمل في نفس السّياق على تحقيق ما يلي:
1 – الاستمرار بالتآمر على المقاومة وتعميم ثقافة العين لا تقاوم المخرز وأنّ قوّة لبنان بضعفه وليس بمقاومته والعكس ما أثبتته الشّواهد التّاريخيّة للمقاومة.
2 – محاربة المقاومة وتسخير كلّ الوسائل والدّعم للحدّ من قوّتها من خلال تسخير بعض وسائل الإعلام المحليّة التّابعة لهذه القوى والمدعومة ماليّاً من أنظمة التّطبيع الخليجيّ وفي مقدّمتها السّعودية والإمارات.
3 – الدّعم الأميركيّ لتلك القوى وإدارة السّفارة الأميركيّة وإشرافها على إدارة المواجهة مع المقاومة بأصغر تفاصيلها.
4 – تكريس النّظام الطّائفي والمحاصصة الطّائفيّة والإثنيّة في الحكم واستفحال الفساد بإدارة أميركيّة سعوديّة إماراتيّة إذا ما أردنا الحديث عن إنجازات المقاومة في ظلّ فرض العقوبات الأميركيّة على لبنان يكفي بأن نشير إلى عمليّة استقدامها بواخر النّفط من إيران متحدّية الحظر الأميركي ونجحت في كسر شوكة حصاره على لبنان في حين أنّ قوى التّخاذل التي وعدتهم شيا بالغاز والكهرباء من مصر والأردن لم يجرؤوا على مطالبتها بتنفيذ وعدها الكاذب.
وعلى هذه القاعدة يخرج اليوم أصحاب نظريّة قوّة لبنان في ضعفه والعين لا تقاوم المخرز للتهجّم على المقاومة واتهامها بالتّفريط بحقوق لبنان البحريّة والنّفطيّة. بالرّغم من اعتراف العدوّ بأنّ الاتفاق تمّ على وقع المُسيّرات وتهديد الأمين العام لحزب الله السّيّد حسن نصر الله حتّى أنّ البعض لم يعتبره اتفاقاً أو تسويةً إنّما تنازل بكلّ ما للكلمة من معنى كما قال وزير الطّاقة الصّهيوني السابق يوفال شتاينتس الذي رأى أنّ ما حصل لم يكن تسويةً وإنّما تنازلٌ دون مقابل بنسبة مئة بالمئة لصالح لبنان.
مع هذا يُصرّ البعض ومنهم أصحاب مشروع (الاستراتيجيّة الدّفاعيّة) و( قرار السّلم والحرب) و(العين لا تقاوم المخرز) (وقوّة لبنان في ضعفه) على اتهام المقاومة بالتّفريط في حقوق لبنان دون الأخذ بعين الاعتبار ما يلي:
1 – إنّ المقاومة قامت بواجبها على أكمل وجه مسخّرة كلّ إمكانيّاتها في خدمة لبنان ورفع سقف شروطه في المفاوضات غير المباشرة.
2 – أثبتت المقاومة أنّ عمليّة الرّدع والقوى أتت أكُلها لا سيّما بعد إرسال المُسيّرات وتغيّر لهجة المفاوض (الإسرائيلي) لإدراكه جدّيّة التّهديد.
3 – المقاومة لم تكن طرفاً في المفاوضات ولا في التّوقيع إنّما كانت عنصر قوّة فرض على العدوّ «الإسرائيليّ» شروط لبنان، أمّا الذين ذهبوا بمقارنة بين ما قامت به القوّات اليمنيّة واللّجان الشّعبيّة وبين ما جرى في لبنان فنقول: إنّ المعادلات التي أطلقها السّيد حسن نصر الله هي نفس المعادلات والتّحذيرات التي صدرت عن السّيّد عبد الملك الحوثي والرّئيس المشاط والتي قضت بتحذير أيّة سفينة تقترب من ميناء الضبة لسرقة النّفط وبعد عدم الامتثال للتّحذيرات تمّ توجيه ضربة تحذيريّة للسّفينة التّابعة لشركة أنيجين حيث عادت أدراجها دون تحقيق هدفها وهذا يؤكّد ما يلي :
1 – تناغم القيادة السّياسيّة والعسكريّة في صنعاء ووحدة القرار في مواجهة المخاطر والتّهديدات.
2 – وجود قوّة سياسيّة يمنيّة استثمرت القوّة العسكريّة وأثمرت فشلاً لعمليّة سرقة النّفط على عكس الموقف السّياسي اللّبناني في بداية المفاوضات.
وتفسير ذلك أنّه ربما كان لبنان حصل نتيجة أكبر في حقوقه النّفطيّة والبحريّة لو أنّ الفريق السّياسي تبنّى منذ اللّحظة الأولى جديّاً تهديدات المقاومة ومعادلاتها لكن ما صرّح به الرّئيس ميقاتي ووزير الخارجيّة عبد الله بوحبيب حين أعلن أنّ المُسيّرات لا تمثّلنا كان لا بدّ من تعاطي العدوّ باستخفاف معهم لكن الكلمة الفصل كانت للمقاومة التي قرأ العدوّ جديّة تهديداتها وقدرتها العالية على تنفيذ ذلك فكان الإنجاز الذي أثبت بأنّ قوّة لبنان في مقاومته وليس بضعفه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى