أخيرة

نافذة ضوء

القومية الاجتماعية فلسفة نظام العالم الجديد

‭}‬ يوسف المسمار*

 

صفتان طبيعيتان لا تلتقيان أبداً: صفة النفاق وصفة الصدق. ومن يظن أن النفاق والصدق يمكن أن يتفقا فهو واهم ومخطئ وظنه في غير محله، لأن هاتين الصفتين تصدران عن طبيعتين مختلفتين وتوافقهما هو المستحيل كاستحالة اجتماع النور مع الظلام.
الطبيعة الخيّرة طبيعة صدق وإخلاص وأمانة، والطبيعة الشريرة طبيعة مراءات وغش وخيانة. فلا الخير يمكن أن يصير شراً ولا الشرّ يمكن أن يتحوّل الى خير. ومن كانت طبيعته خيّرة فطبيعة الخير تمنعه من أن يكون شريراً حتى لو أراد ذلك. ومن كانت طبيعته شريرة فطبيعة الشر تلجمه عن فعل الخير حتى لو اشتهى أن يُجرّب.
فالمراءاة والنفاق طبيعة، وكذلك الصدق والأمانة طبيعة. فلا المرائي المنافق يمكن أن يكون صادقاً أميناً. ولا الصادق الأمين بمقدوره أن يكون مرائياً منافقاً مهما اشتدت الضغوط، وعظمت الأهوال. والأمثلة على ذلك في التاريخ كثيرة من أليسار وهنيبعل في قرطاجة، الى زنوبيا المضحّية في تدمر، الى السيد المسيح الفادي لانتصار قيم الروح والمحبة، الى النبيّ محمد المُضَحِّي لترسيخ تعاليم مكارم الأخلاق والرحمة بين الناس، الى الحسين الشهيد المقدّم أبناءه ونفسه لإنقاذ مبادئ الحرية والعز والسلوك القويم، الى يوسف العظمة الرافض سقوط البلاد من دون مقاومة، الى المعلم الفادي سعاده الممهر رسالة الحق والخير والجمال وخاتمها بشكره ودمه.
لا بتردّد وخوف وجبن، ولا بحبر ٍ تعدّدت ألوانه وأصباغه. فجميع الواردة أسماؤهم كانوا ويستمرون ما بقي الزمان منارات مضيئة وخالدة لأجيال أمتنا القادمة لترسيخ قيم الصدق والأمانة وهداية التائهين الى طريق الحياة الراقية والمُثُـل السامية.
هذا هو الحزب السوري القومي الاجتماعي «للذين وحّدوا إيمانهم فيه» حزب اٌقوياء لا ضعفاء. حزب أعزاء لا جبناء. حزب أبطال منتصرين لا حزب أذلاء مقهورين.
وقد قالها مؤسسه بالفم الملآن:
«إذا كان القوميون ضعفاء وقيتهم بنفسي وجسدي، وإذا كانوا جبناء أقصيتهم عني، وإذا كانوا أقوياء سرت بهم الى النصر».
وقد افتدى انطون سعاده نهضة الأمة وحمى أبناء العقيدة القومية الاجتماعية بنفسه وجسده، وأقصى عنه كل جبان، وشقّ بأقوياء النفوس وبحزب الأقوياء الباقي بعد رحيله طريق النصر ولم يأبه لثرثرة المثرثرين، وتبريرات الخائفين، وذرائع المشككين، وتهديدات الإرادات الخارجية، ولم ينحن أمام إغراءات الأعداء المنافقين، بل جعل من فدائه في سبيل نهضة الأمة قدوة لكل عاملٍ مجاهدٍ صادق من أعضاء الحزب السوري القومي الاجتماعي وغير أعضاء الحزب السوري القومي الاجتماعي، وكل حرٍ شريفٍ من أبناء مجتمعات العالم العربي وغير العالم العربي.
وهذه هي حقيقة الفلسفة القومية الاجتماعية التي يجب أن يفهمها ويعي مضامينها ويعمل بها كل شعب يحبّ الحياة والحرية والنهضة في هذا العالم الذي يعجّ بحكومات ودول الاعتداء على حقوق الأمم وسلب أموالها، وسرقة مواردها، وإفقارها والتمتع بخيراتها، واستعباد نسائها ورجالها والقضاء على حضارتها. وليس أمام الأمم الحيّة اليوم إلا طريقان متناقضان: طريق الحياة وطريق الموت.
القومية الاجتماعية فلسفة نهضة حياة الأمم التي غايتها كما حدّدها انطون سعاده للامة السورية ولجميع الأمم في محاضرته العاشرة بتاريخ 4 نيسان 1948 التي هي: «قضية شاملة تتناول الحياة القومية من أساسها ومع جميع وجوهها. إنها غاية تشمل جميع قضايا المجتمع القومي، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والروحية والمناقبية وأغراض الحياة الكبرى. فهي تحيط بالمثل العليا القومية وبالغرض من الاستقلال وبإنشاء مجتمع قومي صحيح. وينطوي تحت ذلك تأسيس عقلية أخلاقية جديدة ووضع أساس مناقب جديد وهو ما تشتمل عليه مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي الأساسية والإصلاحية، التي تكون قضية ونظرة في الحياة كاملة، أي فلسفة كاملة».
هذه هي غاية فلسفة القومية الاجتماعية التي تجعل الأمم تسير وتتقدّم بأمان على طريق الحياة.
أما طريق الموت فهي مجموعة قضايا متضاربة متقاتلة متحاقدة في كل مجتمع وخارج كل مجتمع في هذا العالم تفتك ببعضها البعض أنانيات فردية، وفئويات تفتيتية، واتنيات انعزالية، وطائفيات تكفيرية، وطبقيات إقطاعية داخل كل مجتمع. وأحلام رومنسية وأفكار انفلاشية، ومنافع معيشية، ومطامع حكومات حقيرة استسلامية لدول استعمارية طغيانية تسلب شعوبها الحرية والاستقلال وتنتزع من نفوس بناتها وأبنائها أهداف عزتها ومثلها العليا.
الفلسفة القومية الاجتماعية هي فلسفة الحياة الكاملة لكل أمة تريد وتصارع لتكون سيّدة على نفسها، وسيّدة على وطنها، وصانعة لتاريخها، ومحترمة في تعاملها مع غيرها من الأمم، وحرة في تقرير مصيرها العزيز.
هذه هي فلسفة نظام العالم الإنساني الجديد التي دعا اليها أنطون سعاده ليس للأمة السورية وحدَها بل لجميع الأمم في خطابه في بوانس ايريس الأرجنتين في شهر كانون الأول سنة 1939 ونشر في صحيفة الزوبعة في العدد 88»:
«بهذا المبدأ – بهذه الفلسفة – فلسفة القومية الاجتماعية – تتقدّم النهضة السورية القومية الاجتماعية إلى العالم واثقة أنه يجد فيها الحل الصحيح لمشاكل حياته الجديدة المُعقّدة، والأساس الوحيد لإنشاء نظام جديد تطمئن إليه الجماعات الإنسانية كلها وترى فيه إمكانيات الاستقرار السلمي واطراد الارتقاء في سلّم الحياة الجديدة».
*باحث وشاعر قومي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى