التعليق السياسي
دعوة برّي للحوار ونصاب بكركي
ليس عادياً إعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري عزوفه عن الدعوة لحوار كان قد باشر التحضير له للتمهيد لتوافق يُخرج الاستحقاق الرئاسي من الاستعصاء، سواء عبر اختيار اسم يحظى بفرصة تأمين نصاب الثلثين وانتخاب أغلبية الـ 65 نائباً، أو التفاهم على لائحة صغيرة من ثلاثة اسماء يرتضي المشاركون في تأمين نصاب الـ 86 نائباً وفوز واحد منها، وفق مبدأ التدرج من اسم مطلوب الى اسم مقبول الى اسم لا مانع فيه.
رغم ربط الرئيس بري لعزوفه عن الحوار بموقفي كتلتي القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، إلا أن كلام بكركي عن أن الوقت ليس للحوار بل للانتخاب هو الذي شكل السبب الحاسم في قرار بري، الذي كان يفترض أن دعوته تلقى دعماً ضمنياً من بكركي باعتبار التوافق شرطاً لا بد منه لتأمين نصاب الـ86 وفتح الطريق أمام الانتخاب بالـ 65 صوتاً في الدورة الثانية، وبكركي التي تعلم صحة حسابات بري لم تعارض الحوار عبثاً، فلو كانت تتمسك بمعايير النصاب والانتخاب ذاته التي يبني بري مواقفه على اعتبارها مسلمات فوق النقاش، لكان البديهي ان تساند دعوته للحوار، لكن حدث ما ليس متوقعاً فقد بدأت بكركي بنصائح بعض مستشاريها تُعيد النظر بالنصاب، وتقبل فكرة انتخاب رئيس الجمهورية بنصاب الـ 65 نائباً، وليس الأمر بعيداً عن حسابات مشتركة مع السفير السعودي وليد البخاري، عنوانه تكسر بكركي قاعدة نصاب الثلثين بما لها من موقع مرجعي تجاه مصير المنصب المسيحي الأول في الدولة، فيفتح الباب لتعاون يضمن تأمين الـ65 نائباً نصاباً وانتخاباً لرئيس جديد من كنف مشترك.
تاريخ انتخاب الرؤساء قبل الطائف وبعده لم يشذ مرة عن نصاب الثلثين، ومعلوم أن انتخاب بشير الجميل استدعى اعتماد احتساب النواب الأحياء، ولكن لنصاب الثلثين للقول إن النصاب هو 62 من أصل 92 نائباً أحياء، وقبله انتخب الياس سركيس بنصاب حضور 66 نائباً وهو ثلثا النواب الـ99، وانتخب سليمان فرنجية رئيساً بنصاب حضور 99 نائباً نال منهم 50 صوتاً في الدورة الثانية مقابل 49 لمنافسه الياس سركيس آنذاك. وفي مناقشات الطائف كان واضحاً التفاهم على ضرورة تمسّك الطائف بنصاب الثلثين انطلاقاً من القناعة بأن التشارك الإسلامي المسيحي في إنتاج منصب رئيس الجمهورية من جهة، وضمان الدور المسيحي في إنتاج الرئيس إذا تفاهم المسلمون على اسم مرشح من جهة موازية، يجب أن يجسّده النصاب، وأن الديمقراطية يترجمها الانتخاب، ولذلك لا يجب أن يكون نصاب جلسة انتخاب الرئيس دون مستوى نصاب تعديل الدستور، أي الثلثين، ولا مانع من انتخابه في الدورة الثانية بالأغلبية المطلقة أي الـ 65 نائباً.
ما يجري خطير والترويج له بدأ همساً وضمناً في أسئلة طرحها نواب في جلسات الانتخاب السابقة، ومنهم سامي الجميل وبعض نواب التغيير، واليوم بدأ البعض يطرح الأمر علناً، وتقول مصادر نيابية إن بكركي بدأت تدعو النواب للمجاهرة بالأمر علناً، واعتبار التمسك بنصاب الثلثين محاولة لأخذ رئاسة الجمهورية المسيحية رهينة للنواب المسلمين، بينما في الواقع سيتمّ تمرير رئيس منتخب بأصوات أغلبها من المسلمين بذريعة مسيحية، والهدف هوية سياسية تهدّد استقرار البلد وتوازناته داخلياً واستقلاله خارجياً؟