نافذة ضوء
الغلبة للحياة وأبناء الحياة
يوسف المسمار*
وإلى أن نكتشف أكثر من طريق للولادة، تظل الحياة قيمة القيم، ويظل أبناء الحياة غريبين في عالم فيه للموت ما لا يُحصى من الطرق.
وإذا كان قدر الأموات أنهم لا يستطيعون أن ينتصروا في صراع الحياة، فإن قدر أبناء الحياة أنهم لا يستطيعون أن يستسلموا للموت.
وعبثاً تًهدَر الجهود في إحياء ميت، أو إماتة حيّ، لأنه لا يصحّ أن يتساوى الذين يولدون أمواتاً مع الذين يولدون أحياء. وقد تلتبس الأمور فيولد الميت من الحيّ، ويولد الحي من الميت، ولكن النفوس الحيّة القوية، والعقول البصيرة المميّزة هي وحدَها التي تدرك أيهما الحي وايهما الميت فتختار طريق حياتها، ولو بدا للجهلة الضالين أن طريقها محفوف بالمخاطر بشتى أصناف وأنواع الدمار والموت.
لقد ولدت «اسرائيل» ميتة ولا تستطيع قوة في العالم ان تحييها مهما ضخّت فيها من الأمصال والدماء وعقاقير التعافي لأن الأمصال والدماء والعقاقير ليست حيّة وإن بدت لبعض العقول المشوّهة انها تنعش بل هي تخدر وتموّه وتغش. والتخدير والتمويه والغش عقاقير تخدع النفوس الساذجة الغبية، وتعمي العقول الممسوخة الخاملة ولكنها لا تحيي الأموات ولم يذكر التاريخ منذ بدئه الجلي حتى اليوم أن ميتاً قد عاد الى الحياة.
قدرنا أننا أبناء أمة حيّة، واننا ابناء الحياة التي ليس لها سوى طريق واحدة واضحة جلية هي طريق الوعي القومي الاجتماعي، والنمو القومي الاجتماعي، والصراع القومي الاجتماعي، والعز القومي الاجتماعي، والانتصار القومي الاجتماعي المناقبي الأخلاقي الإنساني.
وقدر أعدائنا في داخل أمتنا وخارجها هو أنهم ابناء الموت الذي له طرق عديدة فردية انانية، وفئوية تعصبية عمياء، وطائفية تكفيرية بغيضة داخل مجتمعنا، وطغيانية جشعية، واستكبارية غاشمة، ونفسية كراهية ظالمة عدوانية خارج المجتمع.
إن جميع هذه الطرق كلها تؤدي حتماً الى الدمار والخراب وتؤذي نفسها قبل أن تؤذي غيرها. بل إن أبناء الموت جهلة لا يعلمون أن الموت جشع وطغيان واستكبار وحقد ومثالب وظلم وعدوان، وأن مقابر التاريخ وسراديبها هي الأنانية والجشع والظلم والعدوان والاختناق في ظلمات هذه المقابر والسراديب العفنة.
نحن في الحياة قوة فاعلة نصارع ولسنا أمواتاً خاملين في حفرة العدم. نحن أحياء في الوجود بصراعنا لا بخمولنا، نعي بحياتنا وبإيماننا بالحياة وصراعنا في الحياة. والحي لا يغيب وعيه، ولا يفتر إيمانه ولا يتخلّى عن صراعه. نحن نؤمن بقوة الحياة فينا ولا نيأس. والذي لا يغيب وعيه ولا يضعف إيمانه بقضية حياته وعزه، وتتجدّد ثقته بنفسه وباعتماده على ذاته ويصارع بإيمان أن لا مفرّ له من انتصاره، يثق ويؤمن إيماناً مطلقاً أن الغلبة الأخيرة هي للقوى الإنسانية المناقبية الحيّة الواعية المؤمنة في الحياة ولو كره الخانعون المستسلمون والمتغطرسون الظالمون المسرعون في طرق سقوطهم في مقابر الأموات التي لا قرار لها.
إن أبناء الحياة هم الذين وعوا ووثقوا بأنفسهم وآمنوا أن الحياة صراع للأجود والأفضل والأبقى، لن تتخلى الحياة عنهم ولن يتخلّوا عن عز الحياة. أما الذين تخلّوا ويتخلّون عن قيم الحياة الفضلى والمثل العليا، وتنازلوا ويتنازلون عن الصراع، فلن يكون مصيرهم الا مقابر الأموات. لأن الغلبة للحياة وأبناء الحياة والمجاهدين في سبيل الحياة العزيزة، ولن تكون غير ذلك.
*باحث وشاعر قومي.