التويني: قانون السرية المصرفية ارتبط بالتاريخ والجغرافيا واليوم بات خارج الزمان والمكان ولزوم ما لا يلزم
اعتبر الوزير السابق نقولا التويني أنّ قانون السرية المصرفية بات خارج الزمان والمكان، مشيراً إلى أنّ هذا القانون يرتبط بالجغرافيا والتاريخ، حيث بدأ الأمر في بلدان مثل سويسرا بهدف جلب أموال أغنياء العالم إلى ملاذ آمن لا توجد فيه ضرائب.
أضاف التويني: في لبنان طرح العميد ريمون إده رحمه الله هذا القانون وتمّ التصويت عليه في مجلس النواب، وذلك بعد نكبة فلسطين حيث بدأت الأموال تتدفق على لبنان على وقع الانقلابات في العالم العربي ككلّ، من الأغنياء العرب ومن الدول المحيطة، وكان لبنان ملاذاً لتجارة ثلاثية لأنه كان يستورد البضائع ويعيد تصديرها الى العالم العربي والى الخليج بشكل خاص، وكانت وظيفة البنوك اللبنانية أن تحفظ هذه الأموال وكذلك سرية المودعين وهويتهم.
ورأى التويني أنّ هذا القانون لم تعد له فعالية، وقال: إذا نظرنا الى الواقع الذي نعيشه اليوم نرى أنّ هذا القانون بات خارج المكان والزمان، ففي الجغرافيا ليس هناك من أموال عربية آتية الى لبنان، وإذا تحدّثنا عن التاريخ فإنّ تاريخ هذه التغيّرات طوى الزمن عليها ولم يعد هناك أموال متدفقة من الدول العربية بل على العكس لقد تمّ تحويل الكثير من الأموال من لبنان الى الخارج في الفترة الرمادية الانتقالية، وهذه الودائع التي تمّ تحويلها أعتقد أنها كانت تمثل ما يسمّى بودائع العشرة آلاف مودع وهي تشكل أكثر أربعين في المئة من أصول الودائع، أما ما تبقى منها من الظاهر أنها كمية من الأموال المودعة من اللبنانيين والعرب وقد تكون بأرقام مرتفعة ولكنها الآن لا تتعدّى 10 الى 15% من الودائع وهذه المعلومات تقريبية وليست أكيدة.
الأكيد انّ ما تبقى من المودعين وبنسة 95% هم من فئة المودعين الذين لديهم إيداعات صغيرة ومتوسطة ولم يتمّ تحويلها الى الخارج، إذن هذه السرية المصرفية المطلوبة هي على مَن؟ والسؤال الأساسي هنا هو هل هناك أموال آتية الى لبنان في المنظور القريب، وهل سيستقبل لبنان أموالاً لمودعين لديهم مشاكل مالية أو حظر دولي؟ باعتقادي مع دخول لبنان في الاستراتيجية الدولية لمكافحة الفساد وتوقيعه على جميع قوانين مكافحة تبييض الأموال والتحويلات المشبوهة أو الحسابات المرقمة المجهولة الهوية والمنشأ أصبح من الصعب جدا أن يكون لهذا القانون أيّ فعالية.
وأشار التويني الى التدمير المبرمج للواقع المالي بحجة حماية الليرة اللبنانية، أما بالنسبة للسرية المصرفية فإنّ هذه البنكوكراسية الموجودة في لبنان التي دمّرت نفسها من الداخل بشكل مبرمج في السنوات الثلاث الأخيرة، حيث تمّ صرف 35 مليار دولار من أموال المودعين من أجل حماية الليرة اللبنانية، وفق ما قال نائب رئيس مجلس الوزراء الدكتور سعادة الشامي الذي ردّد هذا الكلام مرات عدة، وأنّ دين الدولة بدأ بـ 25 مليار وتضخم ليبلغ 80 مليار مع الفوائد الباهظة التي كانت البنوك تحتسبها على المقترضين ومنها وعلى الدولة، حيث انّ لبنان انتهج منذ أواخر التسعينات سياسة حماية الليرة اللبنانية والفوائد العالية لجلب الأموال، لكن هذه السياسة قتلت كلّ الأعمال المنتجة حيث لا يوجد أعمال يمكن أن تضاهي أرباحها الفوائد المعطاة من البنوك، وبهذا الشكل تمّ خنق كلّ الأعمال المنتجة في لبنان وأصبح البلد يتعامل باستيراد الأموال ليس فقط من المودعين وأيضاً من المغتربين.
مما تقدّم نسأل أين يمكن أن تدخل السرية البنكية أمام هذا الواقع، برأيي أنّ السرية دخلت حين تمّ تحويل الـ 20 مليار الشهيرة بعد الأزمة وبعد المظاهرات أيّ في تشرين الأول من العام 2019، إنّ هذه المبالغ تمّ تحويلها ضمن السرية المصرفية التي شكلت حماية عليها، أما اليوم فما جدوى هذه السرية وهل هي على فتات المبالغ الموجودة والقيمة المتدنية للودائع مقارنة مع الدولار، هذا هو مشهد السرية المصرفية اليوم.
وختم التويني: إذا قرأنا بموضوعية ما يتمّ تداوله فإنّ هذا القانون هو لزوم ما لا يلزم، ولن يكون لديه فعالية ضمن خطة التعافي المفترضة، ولن يكون لديه ايّ جدوى لدعم الاقتصاد اللبناني ولتجميع البنوك المتعثرة أو المؤسسات المالية الفاقدة للمصداقية في السوق اللبناني، وأيضاً لن يشفي اوجاع اللبنانيين.