أهداف الحرب الأميركية الناعمة ضدّ إيران وعوامل فشلها
} حسن حردان
تتعرّض الجمهورية الإسلامية الإيرانية، منذ حوالي الشهرين، ولا تزال، إلى حرب إرهابية شرسة تقودها «سي أي آي» و «الموساد»، وتستخدم فيها كلّ الوسائل، هجمات مسلحة على الشرطة والمواطنين، والتي بلغت أوْجها بالهجوم الإرهابي على المزار الديني في مدينة شيراز، والذي تبنّته داعش، في حين تعرّض رجال أمن لعمليات التعذيب والقتل… وجرت هجمات تخريبية استهدفت المؤسسات العامة والبنوك ومقار الشرطة في عدد من المحافظات الإيرانية لا سيما تلك المحاذية للحدود مع باكستان وأفغانستان وإقليم كردستان في شمال العراق.. وكان واضحاً انّ هذه الحرب قد ترافقت مع تنظيم احتجاجات في الشارع وتحريض السكان على الثورة ضدّ النظام، فيما تولت عشرات القنوات والإذاعات المموّلة أميركياً عملية تحريض الإيرانيين على النزول إلى الشوارع والانتفاض ضدّ نظام الحكم، وقد ترافق ذلك أيضاً مع حملة تصريحات للمسؤولين الأميركيين والأوروبيين تصف ما يحصل بأنه نضال الشعب الإيراني من أجل الحرية والتحرّر من النظام الإيراني، لتبرير تدخلها ودعمها للعنف الذي تقوم به الجماعات الإرهابية وخلايا المعارضة المدعومة أميركياً وصهيونياً وغربياً، وصولاً إلى دعوة واشنطن بعض أعضاء مجلس الأمن لجلسة تشاور حول الوضع في إيران…
ومن الواضح أنه رغم انشغال واشنطن والعواصم الغربية بالحرب في أوكرانيا ومواجهة ما تسمّيه بالتحدي الصيني، إلا أنها تجد الوقت لتوظيف الجهد والاهتمام بقيادة حرب ناعمة تستخدم فيها كلّ أدواتها لمحاولة قلب نظام الحكم في إيران، أو على الأقلّ إثارة الفوضى والفتنة وإحداث الانقسام والاضطرابات بين القوميات التي يتألف منها الشعب الإيراني بما يدخل إيران في صراع داخلي يشلّ قدراتها ويلغي دورها الهام في مقاومة الهيمنة الأميركية والصهيونية.. وفي دعم قوى المقاومة ضدّ الاحتلال «الإسرائيلي» والأميركي في فلسطين وسورية ولبنان والعراق إلخ… واستطراداً العمل على محاولة إعادة إخضاع إيران للشروط والإملاءات الأميركية الصهيونية وفرض الهيمنة عليها بما ينهي دور إيران التحرّري الذي دشنه انتصار الثورة الإسلامية عام 1979 على نظام الشاه التابع لأميركا وكيان العدو الصهيوني…
هذا المخطط الأميركي الصهيوني الغربي يكشف حقيقة واشنطن وحلفاءها في رفضهم احترام سيادة واستقلال إيران وحرية شعبها في اختيار نظام الحكم الذي يريد، كما يكشف زيف ادّعائهم بالسعي لتوقيع اتفاق نووي يقرّ بحقوق إيران، فيما هم يعملون على محاولة فرض اتفاق ينتقص من هذه الحقوق، والا فإنهم يلجأون إلى محاربة إيران والعمل على استخدام شتى الوسائل لإخضاع إيران لشروطهم من خلال:
أولاً، شنّ حرب اقتصادية ضدّ إيران عبر فرض العقوبات والحصار لخلق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية للشعب الإيراني لأجل دفعه للثورة ضدّ نظامه واتهامه بالمسؤولية عن التسبّب بهذه الازمات.. أو ممارسة الضغط الشعبي عليه لإجباره على التخلي عن سياساته التحررية المستقلة الرافضة للهيمنة الغربية.
ثانياً، التهديد بشنّ الحرب العسكرية ضدّ إيران اذا لم ترضخ لشروط واشنطن لتوقيع الاتفاق النووي.
ثالثاً، شنّ الحرب الناعمة التي يستخدم فيها:
1 ـ الإعلام المموّل أميركياً الذي يقوم بتحريض الإيرانيين ضدّ نظامهم المستقلّ والعمل على شيطنته، وتحميله مسؤولية ما يعاني منه الشعب الإيراني نتيجة سياسات الحصار الأميركية.
2 ـ تمويل وتوحيد المعارضة المعادية للنظام والتابعة للغرب، وفي مقدمها بقايا نظام الشاه بقيادة نجله رضا بهلوي، ومنظمة «مجاهدي خلق»، والتي تتخذ من فرنسا منطلقاً لنشاطاتها، حزب الأمة المعروف باسم حزب «ملت إيران»، حزب توده، حزب كوملة الكردي الذي له قواعد عسكرية في شمال العراق إلخ…
3 ـ إدخال تنظيم داعش الإرهابي على خط تنفيذ عمليات إرهابية داخل إيران في سياق السعي لإثارة الفتنة المذهبية إلى جانب تغذية الفتنة بين القوميات الإيرانية.. ومعروف أنّ داعش صناعة أميركية استخدمتها واشنطن في العراق وسورية لتدمير البلدين، وتبرير وجود قوات الاحتلال الأميركي فيهما.. وتقف داعش وراء العديد من الهجمات الإرهابية الأخيرة في المناطق الحدودية الإيرانية، والتي كان من أخطرها الهجوم الإرهابي في شيراز…
ومن الواضح أنّ التركيز الأميركي في هذا التوقيت على تصعيد الحرب الناعمة ضدّ إيران، في سياق محاولة النيل من أمن واستقرار ووحدة إيران أرضاً وشعباً، إنما يأتي بعد أن أيقنت واشنطن:
أ ـ فشل سلاح الحصار الاقتصادي في تحقيق هدفه في اخضاع إيران.
ب ـ مخاطر القيام بعدوان عسكري يستهدف برنامج إيران النووي ومرتكزات قوتها.. بسبب تنامي قوة إيران الدفاعية وقدرتها على تدمير وإلحاق الضرر الكبير بالقواعد والمصالح الأميركية في المنطقة وبالكيان الصهيوني..
كما يأتي التركيز الأميركي على إيران بعد أن أدركت واشنطن خطورة دور إيران في تقويض الهيمنة الأميركية الأحادية من خلال مقاومتها للهيمنة الأميركية في المنطقة، وتحالفها مع روسيا والصين في الدعوة لنظام دولي متعدّد الأقطاب، وحصول إيران على العضوية الكاملة في منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي والتي تضمّ الدول الناهضة اقتصادياً.
ولهذا فإنّ السياسة الأميركية الحالية تركز على تغذية الحرب في أوكرانيا ضدّ روسيا، وتثير التوتر ضدّ الصين من خلال دعم تايوان، وتشنّ الحرب الناعمة ضدّ إيران، في محاولة لإضعاف وتقويض قوة هذه الدول الثلاث باعتبارها الخطر الأكبر الذي أضعف هيمنتها الأحادية، لصالح دعم إقامة نظام دولي متعدّد الاقطاب…
غير أنه رغم رمي واشنطن وحلفاؤها بكلّ ثقلهم في شنّ هذه الحرب الناعمة وتوظيف كلّ القوى المعادية لنظام الجمهورية الإسلامية، إلا انّ إيران ـ الثورة التحررية المستمرة صمدت ونجحت في التصدي لهذه الحرب الإرهابية وإحباط أهدافها بفضل العوامل التالية:
العامل الأول، صحوة الأجهزة الأمنية الإيرانية وسرعة مواجهتها للمخطط الإرهابي الفتنوي، ونجاحها في القبض على الخلايا الإرهابية والتخريبية، وكشف أهدافها وحقيقة الدور الذي تقوم به، وارتباطاتها بأجهزة الاستخبارات الأميركية والصهيونية.
العامل الثاني، التفاف الشعب الإيراني حول نظام الجمهورية الإسلامية ورفضه الوقوع في فخ الفتنة والفرقة، وهو ما تجلى في التظاهرات المليونية التي شهدتها المدن الإيرانية والتي عكست الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها نظام الجمهورية الإسلامية.
العامل الثالث، الموقف الحازم للمسؤولين والقيادات وأطراف المعارضة الوطنية الإيرانية في التصدي للمخطط الأميركي الصهيوني، مما أحبط محاولة تحويل الأراضي الإيرانية إلى مسرح للإرهاب والفوضى على غرار ما حصل في سورية والعراق.. الأمر الذي حال دون قدرة الأطراف المرتبطة بأميركا والغرب وكيان العدو الصهيوني، الاستفادة من ايّ انقسام أو ضعف في داخل السلطة أو بين قوى المعارضة الوطنية لتنفيذ مخططها.
العامل الرابع، الإنجازات الكبيرة التي حققتها الثورة الإيرانية على المستويات كافة والتي لمسها الشعب الإيراني، وأدّت إلى تعاظم قوة إيران وتحقيق التطور العلمي والصناعي والاكتفاء الذاتي في الكثير من احتياجات الإيرانيين مما حدّ من الانعكاسات السلبية للحصار الاقتصادي الأميركي… وأسهم في إحباط أهدافه في تأليب الشعب ضدّ نظامه التحرري المستقلّ.
انّ هذه العوامل مجتمعة أسهمت في إحباط أهداف المخطط الإرهابي التخريبي الأميركي الغربي الصهيوني، مما انعكس تراجعاً في الاحتجاجات وعزل الخلايا الإرهابية والتخريبية ومكّن أجهزة الأمن من اعتقال الكثير من عناصرها، وكشف حقيقة ما قاموا به من أعمال إرهاب وتخريب..