أخيرة

نافذة ضوء

 

التساهل في الحق خيانة

 

‭}‬ يوسف المسمار*
كما الفضائل لا تتجزأ، فالرذائل أيضاً لا تتجزأ. فلا يوجد هنا نصف أمين ولا هناك عشر خائن. بل إن الأمين أمين بالرغم من اشتداد الصعاب وتراكم المحن. والخائن خائن مهما تدفقت عليه المحبة، وتزايدت صنوف الرحمة والخير.
وبما أن الموقف من الفضائل جليّ، كذلك الموقف من الرذائل يجب ان يكون واضحاً وصريحاً. فليس هناك مكان لأبناء السفلة والسوء بين أبناء الفضيلة والصلاح، كما لا يليق بابن النور أن يبحث عن محل له بين أبناء الظلمة مهما ضعف وشحّ ضوؤه.
فإذا كان بمقدور الخائن أن يكون أميناً على الخيانة خائناً للأمانة، فإن الأمين الأمين لا يستطيع الا أن يكون أميناً على ممارسة الفضائل والحفاظ على نموّها ونشرها وتعميمها.
إن طريق الفضيلة واحدة، وللرذيلة ما لا يُعدّ ولا يحصى من الطرق. والذي يمارس المفاسد كالذي يسكت عنها، كذلك الذي يسكت والذي يروّج لأعمال السوء مثل الذي ينقل أفكارها ويبثها بين الناس.
إن نهج العز لا يعرف ولا يقبل الا طريقاً واحداً متصاعداً في الحياة هو طريق رفض العدوان، ومقاومة الظلم، ومهاجمة الشر، واجتثاث جذور الطغيان وجنوده ومؤيديه وداعميه والخونة الناشطين في خدمته.
وكل مجتمع يفسح مجالاً للخيانة في أوساطه لا يأمن على نفسه من الوقوع فريسة سهلة في زرائب واسطبلات بهائم أعدائه. وهذه هي عاقبة كل مجتمع يتغاضى عن الخونة والسفلة في صفوفه، ويبرّر للجبناء والعملاء الغادرين سيئاتهم ويسكت عن خيانتهم وجرائمهم ويعفو ويسامح عن خيانتهم وغدرهم.
فالسكوت عن الجبن جبن، والتساهل مع الخونة تشجيع للخيانة. ولا يسكت عن السفالة والخيانة ويبرّر مواقف الجبناء ويحمي الخونة الا الذين تعطلت فيهم العقول، وسفلت النفوس، واضمحلت الضمائر. وأرهب من السكوت عن السفالى والخونة المارقين الثرثرة التي تنبه أعداء أمتنا الى مواطن الضعف فينا فيتسللون اليها وينفذون منها الى داخل مجتمعنا ويبطشون بنا.
فكل حركة شعبية لا تميّز بين الفضائل والرذائل، ولا تشدّد على ممارسة الفضائل والتطهر من الرذائل، وتبرّر للأرذال رذائلهم لا يمكنها أن تنقذ الشعب من الأمراض النفسية والاجتماعية والمناقبية التي جعلته هدفا رخيصاً لفلسفة التساهل والتسامح مع الخونة المارقين.
فيا طلائع النور والتنوير في شعبنا حذار حذار التساهل في موضوع الجبن والغدر والخيانة. فما تساهل شعب في هذا الأمر إلا كان مصيره القهر والعار والذل.
وكم كان بليغاً انطون سعاده في قوله :
«أخطر ما تكون الرذيلة عندما تتسربل بسرابيل الفضيلة، والجبن عندما يتشح بالخيانة، والباطل عندما يتبرقع بوشاح الحق».
*باحث وشاعر قومي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى