دعوة للبحث والنقاش وليست دعوة للعشاء
} بشارة مرهج*
امتناع حاكم مصرف لبنان الأستاذ رياض سلامة عن حضور جلسة اللجان المشتركة في المجلس النيابيّ بالأمس، والتي بحثت في مشروع قانون «الكابيتال كونترول» وسواه من المشاريع الحساسة التي تتوجّه إليها الأنظار اليوم، أثار الاستغراب الشديد لدى أوساط في المجلس، كما الرأي العام الذي فوجئ بغياب الحاكم الذي تكرّر امتناعه عن تلبية دعوات سابقة صادرة عن لجان المجلس المولجة رسمياً بمتابعة شؤون الاقتصاد والموازنة والمالية العامة والسياسة النقدية.
فالموضوع الأبرز على جدول أعمال اللجان المشتركة كان موضوع «الكابيتال كونترول» الذي تأخر إصداره ثلاث سنوات رغم أهميته القصوى ورغم مطالبة الهيئات الدولية واللبنانية بإقراره لضبط التحويلات وتنظيم الحركة المصرفية وتفعيلها بعدما عاث المستفيدون والمستغلون فيها فساداً.
ولو أنّ الحاكم بعث باعتذار يعلل فيه غيابه لكان الموضوع مرّ بأقلّ خسائر ممكنة، لكن أن يمتنع الحاكم عن الحضور بدون عذر مشروع، مكرّراً مواقفه السابقة، فأمر يخرج عن المألوف ولا مبرّر له ويعكس استهتاراً بالدعوة النيابية، أو رغبة بعدم إصدار هذا القانون، خاصة أنّ غياب هذا القانون من التشريع اللبناني طيلة الفترة الماضية أتاح للطغمة المالية المصرفية وأركان النظام إجراء التحويلات الكيفية الى الخارج وإضعاف الاقتصاد اللبناني الى أقصى حدّ بعد أن استنزفوه وشلوا قدرته وعطلوا دورته، مستفيدين من نفوذهم وتغطية الحاكم لممارساتهم، دون أن ننسى أنّ الحاكم نفسه كان موضع مساءلة في باريس وسواها من العواصم الأوروبية عندما أدخل دون تصريح عملات أجنبية مصدرها لبنان إلى تلك العواصم.
إنّ الحاكم الذي أثبت فشله في إدارة السياسة النقدية وأخفق في حماية الليرة وقوّتها الشرائية لو كان مهتمّاً باستنهاض البلاد من كبوتها لاندفع فوراً لتلبية دعوة السلطة التشريعية ومناقشة النواب في «الكابيتال كونترول» وسواه من المشاريع قيد الدرس توصّلاً إلى أفضل صيغة يمكنها أن تساهم في إعادة الأموال المهرّبة أو المحوّلة إلى الخارج بدون مسوغ شرعي، كما في تنظيم الأوضاع الاقتصادية وتهيئتها للانطلاق مجدّداً كما ينتظر اللبنانيون دون جدوى حتى الآن. لكن أن يمتنع الحاكم عن حضور جلسة اللجان المشتركة ويعتبرها «مش حرزانة» ولا تستحقّ الاعتذار فأمر يدلّ على عدم الاهتمام بمشاعر الناس ومصالحهم وحقوقهم، ويدلّ أيضاً على عدم الرغبة في إطلاق ديناميكية للإصلاح والنهوض واستعادة سمعة لبنان التي مرّغها المسؤولون اللبنانيون في الوحل دونما حياء أو خجل رغم دعوات كبار المسؤولين العرب والأجانب لهم بالكفّ عن التسوّل والاستجداء والمبادرة، بدلاً عن ذلك، الى الاستثمار من جيوبهم المنتفخة في مشاريع اقتصادية مجدية تملأ الفراغ وتحرك الاقتصاد، وتضع حداً للركود والجحود والاستهتار.
يبقى أن نقول إنّ مطالبة نائب رئيس المجلس النيابي النائب الياس أبو صعب بضرورة حضور الحاكم كانت في محلها، ولا يمكن للحاكم أن يتفاداها أو يتجاهلها، فالدعوة هي الى بحث مسؤول تحت قبة البرلمان وليست دعوة الى العشاء في أحد أحياء بيروت الموجوعة…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نائب ووزير سابق.