الكاتب المصريّ ياسر شعبان يدعو إلى مراجعة المفاهيم

القاهرة ـ من وكالة الصحافة العربية: ياسر شعبان مبدع من طراز مختلف في فنون الكتابة، لم تمنعه مهنة الطب من إثراء الساحة الثقافية بإنتاجه الغزير، فهو ينطلق من ركيزتين أساسيتين، الأولى أن النص لديه لا يحمل ديباجة أو تعريفاً بأنه قصة أو شعر أو رواية، بل يضعه بين يدي القارئ ويترك الخيار له في تحديد ماهية النص. وفي اعتقاده أن تسمية النص وتصنيفه ليسا إلا محاولة لهيمنة النقاد وممارسة السطو من الكاتب والقارئ، والركيزة الثانية لديه أنه بمجرد صدور إنتاجه، رواية أو نصاً مترجماً، يتحوّل بعد الطباعة إلى مستهلك يتلقى آراء قرائه ويتواصل ويتفاعل معها ليبدأ عملية تقويم، فهو كاتب لا ينفصل عن الحدث، والتحوّلات السياسية التي شهدتها البلاد حاضرة في أعماله.

أثرى شعبان الساحة الثقافية بأعمال شعرية وروائية، فضلاً عن ترجماته المتعددة، وصدرت له حديثاً رواية «المصائر» التي يقول إنها فتحت له ساحة للحوار. صدر له من قبلاً: ديوان «بالقرب من جسدي»، وفي الرواية: «أبناء الخطأ الرومانسي» و«أبناء الديمقراطية»، كما ترجم عدداً من النصوص الروائية مثل «الجبل الخامس» لباولو كويلو و«العين» لفلاديمير نابوكوف و«السيد ستون ورفقة السلاح» لنايبول و«لعبة ويستنج» لراسكين، وغيرها.

ينطلق شعبان، الذي دخل عالم الكتابة منتصف تسعينات القرن المنصرم، من رؤية فلسفية تتعلق بعدم إطلاق اسم على أي عمل إبداعي على غلاف الإصدار من نوع شعر، قصة، رواية، مسرح… وسبق أن شرح وجهة نظره في مجلة «الكتابة الأخرى» الإلكترونية، قائلاً: إن التصنيف ليس سوى محاولة من المشتغلين في النقد لمقاربة الكتابة وابتكارات أدوات نقدية تتيح لهم طرح آرائهم على القراء من خلال الكتابة التي يقومون بنقدها، وأن المشتغلين في النقد يمارسون السطو والهيمنة على الكتابة والكُتَّاب من خلال تلك التصانيف، ويمنحون صكوك الإبداع والتميز لمن يوافق على تصانيفهم، ويهبّون ضدّ من يعارضها، أما من يدّعي الكتابة من دون تقيد بالتصنيف فهو مطرود من جنة مقالاتهم ومغضوب عليه إلى حين تمكّنهم من مقاربة ما لم يقدمه، وعندئذٍ تبدأ محاولة جديدة لبسط الهيمنة والسطوة.

الكتابة بالنسبة إلى شعبان جزء من ممارسته الحياتية، ويعتبرها نشاطاً عادياً ضمن أفعال أخرى تستهدف التواصل والاستكشاف وسبر أغوار ما يصعب على الإدراك سواء العقلي أو الروحاني. يضيف: «لأنها جزء من ممارساتي، فهي لا تستهدف قارئاً بعينه، ولا تسعى إلى مغازلته أو إشعاره بالإشباع، سواء بموافقة تصوراته عن الكتابة أو تلبية حاجاته منها. ووفقًا لهذه المنطلقات قد يبدو عدم وضع توصيف للعمل على الغلاف أو وضع «نص أو نصوص» هو الأقرب والأكثر توافقاً مع أعمالي. لكنني لا أميل إلى مثل هذا التوجه، لاقتناعي بأننا في مرحلة خلخلة وكسر للمسلمات لدى النقاد والقراء، في مرحلة الصدمة، وإعادة الاعتبار لحرية الكاتب وتأكيد عدم تبعيته للنقد أو للقراءة، والأهم والأبقى هي الكتابة قبل التصنيف وبعده».

وضع شعبان أعماله على ثلاث مدوّنات للتواصل والتفاعل مع الجمهور منذ عام 2005، لدى إصداره رواية «أبناء الديمقراطية»، عام 2006 ضمن روايات «الهلال». يقول: «حاولت في هذه الرواية الإفادة من البريد الإلكتروني والقرصنة الإلكترونية وسهولة تداول المعلومات على الإنترنت لخلق حالة من التعددية والتفاعلية في الكتابة من دون اللجوء إلى أدوات السرد المألوفة. أما في رواية «المصائر» فحاولت الإفادة مما تتيحه بنية المدونات من تعددية وتفاعلية بدت لي قادرة على خلق البوليفونية تعدد الصوت على مستويات كثيرة، أسلوبية، فكرية، جمالية. فالمدونات ساحة حوار مفتوحة بين صاحب المدونة وأي تعليق لقارئ عابر، وإن مصادفة. هذا ما استهدفته عند كتابة رواية «المصائر»، أن تكون ساحة حوار تفاعلي مفتوحة وحافلة بالتنوع الذي يصل إلى حد الشطط»، مشيراً إلى أن محاولاته تلك تنطلق من قناعة التفاعل المتبادل بين الوسائط، فالكتابة تسعى منذ القدم إلى الإفادة من إمكانات الفن التشكيلي والسينما والإنترنت، والعكس صحيح. ويعتبر أن أي إبداع في مسيرته نحو التطوّر لا بد من أن يتابع ما سبقه ويواكبه من مستجدات في مختلف المجالات، ويحاول إعادة إنتاج ما يوافقه منها وتوظيفه بما يحقق له التطور.

يبدي شعبان تحفظه عن فكرة تجارب بعض دور النشر التي حوّلت المدونات إلى كتب إذ نقلت الكتاب على مدونة وفق منطق قابل للتغيّر والتجدد في أي وقت وبواسطة أي شخص، إلى نمط مغلق ينتهي بنشرها مطبوعة في كتاب، مشيراً إلى النزوع نحو التنميط وتحويل ما لا نعرف إلى ما اعتدنا عليه كي نتداوله مثل سلعة منتهية، أي قابلة للاستهلاك والفناء. ويضيف: «يا للأسف، هذا ما يحاوله البعض بعد ثورة 25 يناير لناحية الواقع الافتراضي للحياة، فباستثناء الشباب الذين لم تكن لديهم حدود فاصلة بين الافتراضي والواقعي، اللهم سوى الإفلات من سطوة الرقابة والأشكال النمطية، فإن عامة المجتمع وتحديداً جماعة السلطة والتيارات الدينية التقليدية، سعت في البداية إلى احتواء هؤلاء الشباب وبواقعهم الافتراضي، ثم تنميطهم وتحييدهم وتحويلهم إلى أيقونات قابلة للتداول لكنها غير قابلة لإعادة الإنتاج. في معنى آخر تحويلهم إلى سلعة منتهية وقابلة للاستهلاك والفناء.

ياسر شعبان من شعراء قصيدة النثر وروائي أيضاً، قادر على الانتقال بين هذه وتلك. يقول: «أكتب ما أريد ليكون شعراً حيناً أو قصصاً، وللمتلقي كامل الحرية في تقويمه وتذوقه وتقديره»، أما الترجمة عنده فهي هواية يمارسها في انتظام، علماً أنه متأثّر بمترجمين، جبرا إبراهيم جبرا وسيد عبد الخالق. ففي رأيه لا يزال جبرا ابراهيم جبرا نموذجاً للمترجم المبدع القادر على منح الترجمة من روحه الإبداعية، ما يجعلها عملاً فريداً وأقرب إلى الكمال، أما سيد عبد الخالق فهو المترجم الذي تعلم منه أن الترجمة مهنة صعبة تتجاوز مجرد إتقان لغتين إلى البحث والتنقيب عن المفردات وصولاً إلى الهوامش التعريفية. ويضيف: «غالباً ما تمثل لي الترجمة مهرباً من قفلة الكتابة وأتعامل معها كتدريب. كما أنها توفر لي فرصة للتعرف إلى أساليب جديدة في فنون الكتابة كتنوع لم أتعرف إليه بمجرد قراءة النص الأجنبي فالترجمة تحتاج إلى كثير من التأمل لأدوات الكتابة المستخدمة ومستويات السرد إلى غير ذلك من الخصائص».

حول رؤيته التحليلية للمشهد الثقافي لما بعد ثورة 25 يناير وما رافقها من شُح في الإنتاج الإبداعي يقول: «الآن، وقد سقطت الأقنعة وتبدل الخصوم وتبددت أوهام كثيرة لتحل مكانها أوهام أخرى، أضحى الجميع في حاجة ماسة إلى مراجعة سائر المفاهيم والقناعات، وأظن أن هذه المراجعة تستغرق وقتاً غير قصير». وعن تجربته المتنوعة يضيف: «أنا عابر سبيل، أمارس الكتابة والترجمة مثلما أمارس أموراً أخرى، وبمجرد صدور أي نص كتبته أو ترجمته، تنقطع صلتي به بعد الطباعة كمنتج له وأتحوّل إلى مستهلك، أكتب وأترجم لأكون قادراً على الاستمرار في الحياة، ولأتواصل مع الآخرين من دون البحث عن مكان أو مكانة، وغالباً ما تبقى الكتابة الجميلة والترجمة الجميلة، وقد تفاجئنا الحياة بآراء من أشخاص لا نعرفهم وتجعلنا نستمر، أشخاص قرأوا ما كتبناه بالمصادفة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى