تقرير
كتب آلون بن دافيد في «معاريف» العبرية:
كان هذا أسبوعاً تاريخياً في تاريخ الشرق الأوسط، من دون علاقة باتفاق الولايات المتحدة وإيران. في هذا الاسبوع، وللمرة الاولى منذ عشرات السنين، اتحد العالم العربي حول موضوع غير «إسرائيل». فهو لم يكتف بالتصريحات ولكنه انتقل إلى العمل.
صحيح أنه بالنسبة إلى «إسرائيل» كان أسبوعاً أثبتت فيه الادارة الأميركية مرة أخرى ضعفها، ولكن العالم العربي العقلاني أظهر للمرة الاولى القوة والاتحاد التي تشير إلى الأمل والفرص الجديدة في المستقبل.
في الوقت الذي علّم فيه الإيرانيون في لوزان جون كيري وجماعته كيف تُدار المفاوضات، قرّر السعوديون والمصريون تعليم الرئيس أوباما أن ليس كل شيء يتم بأوامره. معاً أقاموا جيشاً مشتركاً وفرضوا حصاراً فعلياً على اليمن الذي احتُلّ من قبل الحوثيين. مصر تكون مسؤولة عن الحصار البحري على الحصن الإيراني الجديد في اليمن، والسعودية التي فضلت دائماً وتاريخياً اتخاذ موقف سلبي فرضت حصاراً جوّياً، وهاجمت بصورة متواصلة الحوثيين في اليمن.
الدولتان أقامتا غرفة عمليات مشتركة تُدير المعركة وهذا بحد ذاته تطور تاريخيّ. الهجمات السعودية دمرت صواريخ أرض ـ جو الموجودة في أيدي الحوثيين، وأوقفت القطار الجوي للسلاح والذخيرة من طهران إلى صنعاء قبل لحظة من تزويد إيران الحوثيين بصواريخ مضادة للسفن.
التحالف العربي بدا مصمّماً إلى درجة أن القيادة الإيرانية أُجبرت على الوقوف والتفكير في انتهاج طريق جديد. ويتساءلون في إيران الآن في ما إذا كان احتلال اليمن لم يقدهم إلى منطقة أبعد من المطلوب، وفي ما إذا كان صحيحاً الاستمرار في دعم المتمردين أمام التحالف العربي الجديد. الإيرانيون يدرسون بجدّية رفع الدعم عن الحوثيين الشيعة والتنازل عن القشة التي تهدّد بقصم ظهر البعير السنّي.
في شرم الشيخ، سجلت قُبلة تاريخية بين أمير قطر تميم آل ثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. ليس واضحاً من منهما عانى أكثر من ذلك الاتصال اللحظي، ولكن، صحيح حتى اليوم أن قطر قد انضمت إلى العالم السنّي العقلاني وهذه بالتأكيد أنباء جيدة.
أيضاً في سورية، كان هذا الاسبوع سيئاً لإيران وتابعاتها. الهجوم الذي أعدّه حزب الله ضد المتمردين في هضبة الجولان تم صدّه، والآن يقف جنود الأسد سوياً مع رجال حزب الله أمام هجوم مضادّ تقوده «جبهة النصرة». الخوف من أن إيران ستسيطر على الحدود مع «إسرائيل» تبدّد حتى هذه الساعة. الأسد وحلفاؤه تلقوا هزائم في إدلب وحلب وهم يستعدّون الآن لهجوم آخر من قبل المتمرّدين في القلمون على الحدود السورية ـ اللبنانية.
قاسم سليماني، قائد قوة «القدس» التابعة للحرس الثوري الذي يقود التمدد الإيراني في الشرق الاوسط، كشف في هذا الاسبوع أن الحبل قصير جداً، وأنه ليست لديه القدرة على القتال في هذا العدد الكبير من الجبهات. لقد تعرض للهزيمة ايضاً في تركيا والعراق، وتم وقف حلم السيطرة الإيرانية على المنطقة على الأقل في الوقت الحاضر.
إن مغزى هذه الاحداث بالنسبة إلى «إسرائيل» أن لديها الوقت. الوقت للتفكير وإدراك ما يحدث حولنا، تشخيص الأخطار والفرص. رئيس الاركان غادي آيزنكوت دعا أعضاء القيادة العامة إلى ورشة عمل بحثت في أسئلة مثل ما هو النصر، الحسم وما هو دور الرموز في الحرب المقبلة. الورشة التي هدفت إلى فحص أسلوب تشغيل الجيش «الإسرائيلي» لم تصل حتى الآن إلى قرارات. ولكن الانطباع كان أن آيزنكوت هو أبو «نظرية الضاحية»، متمسك بالاعتقاد الذي يقول إن الحروب يجب أن تُدار مثل «عملية سبتا»، البدء بذروة القوة وفي ما بعد زيادتها.
قائد الجبهة الداخلية السابق إيال آيزنبرغ شارك هذا الاسبوع الجمهور في التنبؤات المقلقة لوقوع أكثر من ألف صاروخ في اليوم على الجبهة الداخلية «الإسرائيلية» في مواجهة مع حزب الله. هذه ليست معطيات جديدة، وكذلك ليست نتاج قرار يعرف التطورات المرعبة. منذ سنوات يفهم الجيش «الإسرائيلي» أن هذا هو السيناريو المتوقع في مواجهة مع حزب الله، إضافة إلى احتلال بضع مستوطنات في الشمال وربما أيضاً إنزال قوات كوماندوس لحزب الله في جبهتنا الداخلية. أمام هذا السيناريو الذي فيه لا يستطيع الدفاع الجوي بكل مستوياته في الحقيقة أن يقدم دفاعاً للسكان المدنيين.
واضح أن الجيش «الإسرائيلي» يجب عليه أن يكون عنيفاً بصورة خاصة من اللحظة الاولى. حرب كهذه التي في هذه اللحظة لا تبدو قريبة تقتضي عملاً جوّياً واسعاً ضدّ حزب الله وضدّ البنى التحتية اللبنانية منذ البداية. كل ذلك من أجل أن يقود إلى وقف النار سريعاً في الوقت الذي تتعرض فيه الجبهة الداخلية لإصابات مؤلمة من الصواريخ الثقيلة. إذا وقع حادث كهذا ـ في هذه اللحظة ـ لا أحد من الطرفين معنياً به، فإن «حماس» أيضاً لن تقف مكتوفة الأيدي وستساهم بنصيبها. ولكن سلوك «حماس» منذ «الجرف الصامد» يشير إلى أن هذه المنظمة ليست معنية بتجديد المواجهة في هذه اللحظة. أيضاً السلطة الفلسطينية التي قُبلت هذا الاسبوع كعضو في محكمة الجنايات في لاهاي لم تسارع إلى استخدام العنف ضد «إسرائيل»، بل ستُركز على المعركة السياسية.
هذه التطورات التي لم تنضج وتستقر بعد توفر الوقت لـ«إسرائيل»: ليس كثيراً ولكن لبضعة أشهر. في الوقت الحالي تستطيع «إسرائيل» تشكيل الحكومة الجديدة من دون تهديد خارجي فوري ومحاولة بلورة سياسة قبل إجبارها على التعامل مع التحديات الخارجية.
في الجيش «الإسرائيلي» تنفسوا الصعداء عندما فهموا أن غالبية التوقعات تتمثل في أن وزير الدفاع موشيه يعالون سيبقى في منصبه. يعالون يعتبر في الجيش رجلاً متّزناً وموضوعياً في اتخاذ القرارات، وهو جندي لم يستخدم بتاتاً بصورة مُستخفة حياة البشر من أجل خدمة الاهداف السياسية. كما أنه ينشر حوله جو عمل هادئاً وعملياً من دون أجندات خفية.
الفهم السائد في جهاز الامن، أن التحدي المقبل سيتمثل في المواجهة مع التسونامي السياسي الذي يُعده لنا الفلسطينيون. مواجهة عسكرية لا أحد من جيراننا في هذه اللحظة معنياً بها، ولكن التأكيد على «في هذه اللحظة». طاقم يعالون ـ آيزنكوت يمكن أن يجد نفسه يُدير حرباً لا أحد من الاطراف يريدها، ولكن من شأنها أن تندلع في السنة المقبلة من دون صلة بتوزيع الحقائب في الحكومة المقبلة.
صحيفة «رأي اليوم» الإلكترونية