كأنما يُحدّثنا اليوم…
} جابر جابر
«منذ تلك الساعة انبثق الفجر من بعد الليل، وخرجت الحركة من الجمود وانطلقت من وراء الفوضى قوة النظام، وأصبحنا أمة بعد أن كنا قطعاناً بشرية، وغدوْنا حركة تقوم على أربع دعائم: الحرية، الواجب، النظام، القوة، التي ترمز إليها أربعة أطراف الزوبعة القومية الممثلة في علم الحزب السوري القومي.
منذ تلك الساعة نقضنا بالفعل حكم التاريخ وابتدأنا تاريخنا الصحيح تاريخ الحرية والواجب والنظام والقوة، تاريخ الحزب السوري القومي، تاريخ الأمة السورية الحقيقي.
منذ الساعة التي عقدنا فيها القلوب والقبضات على الوقوف معاً والسقوط معاً في سبيل تحقيق المطلب الأعلى المعلن في مبادئ الحزب السوري القومي وفي غايته، وضعنا أيدينا على المحراث ووجَّهنا نظرنا إلى الأمام إلى المثال الأعلى، وصرنا جماعة واحدة، وأمة حية تريد الحياة الحرة الجميلة، أمة تحب الحياة لأنها تحب الحرية، وتحب الموت متى كان الموت طريقاً إلى الحياة…»
البوصلة، وهذا بعض مسارها، في بعض ما جاء في الخطاب المنهاجي الأول للزعيم. نعم للزعيم، فالزعيم هو المعجزة الفكرية التي أرست ثقافة الشعب الحرة، ثقافة الأمة، ثقافة الحقّ والمجتمع والكرامات، ثقافة الرأس المرفوع، ثقافة الإنسان الحقّ الذي لا يكبّله طغيان واستعمار واستخدام، ثقافة الحياة بكلّ ما فيها من حقّ وخير وجمال، ثقافة أرست الفكر والهدف والبوصلة والعتاد والسلاح وأحاطت بكلّ جوانب الحياة الإنسانية والمجتمع…
لكم سُرِق التعبير واستهلك في زواريب الطوائف، في زواريب المصلحيات الضيقة التي قتلت ودمّرت وشرّدت وجوّعت وطيّفت وشرذمت ولا تزال تفرغ كلّ موبقات لعيانها المقيت جوراً وظلماً وطغياناً وانحطاطاً لشعبنا.
ومع اكتمال العقد التاسع لتأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي، أين نحن من الحياة، من الفكر، من المبدأ؟ أين نحن من الفساد والمفسدين وأعداء فكرنا في الداخل والخارج؟ أين نحن من النحن؟
إنه الفكر، المدعّم بالنظام. هي النظرة الثاقبة ومخاض أجيال سبقت عاشت الاستعمار والاحتلال والاستغلال. إنه الأصل المتجذر في عميق بلاد الحضارات، في عميق أمة، كلما طمسها غاصب، وأوصلها شفير العقم، انفجرت ولّادة…
على صهوة الحقّ جاء، لا مصلحة له، لا جاه أراد، لا مال، لا مناصب، بل أراد الحقّ بكله لرفعة شعبه لمصاف أمة. جاء يكسر ذلّ القيد، ذلّ الموت المتجذر في الإرادات والكرامات والعقول. ذلّ الانصياع والقطعان والانسياق. جاء ليرسي فكراً استشرف فيه أفق المستقبل.
هو الزعيم الذي أسّس حزباً منذ عقودٍ تسع، وما زلنا نعصر حروفه كفجر الندى، وكأنما يحدّثنا اليوم ويستشرف مصائبنا وبلوانا.
غير أنّ الفرق بين أيّ مفكر وباحث وبين سعاده، هو أنه عادة ما يستفيض البعض في التحليل والتنقيب والتوصيف، غير أنّ سعاده قارب الحياة بفكر نهم، ثاقب، عارف، شامل، صلب، إنساني، اجتماعي، عقائدي، مبدأي… وأرسى لكلّ وجه من وجوه هذه الحياة، طريقة وأسلوب وممرّ وحلّ وأكثر.
أنّ الأمر يتطلب دراية لتحليل الأمور، ويتطلب حكمة ورجاحة عقل لإرساء الحلول، بل يتطلب فرادة وريادة وقيادة.
إذا ما قرأت دستور الحزب السوري القومي الاجتماعي، تنظيمه، تفاصيله غايته، مبادئه… لوجدت سفينة بشراع عظيم وأنت الغارق في بحر العدم.
أين نحن من السفينة؟ لا عجب أنّ أعداء الخارج قد حاولوا إغراقها، وأصابوها برصاصات في جسد الزعيم، ولكنهم خسئوا. فسعاده، ما حصر القيامة بنفسه، بشخصه، بل أرسى حزباً وفكراً وعقيدة، إنْ غاب معها الجسد بقيت وبقي صوته وفكره صداحاً وبقيت السفينة تقارع تلاطم الموج ويصارع شراعها الريح.
واستمرّ أعداء الخارج والداخل، وحمى مسير السفينة لقيامة أمة، مناضلون وأبطال وشهداء عمّدوا السواد بالأحمر ليرسموا نقاء النور.
وازدادت الهجمة، فالمرء عدوّ نفسه، تشكله في خضمّ التجارب الأطماع والغرائز وقدرة الاحتمال، فيسقط من يسقط مع تلاطم الموج. غير أنّ المريع مشهد المتساقطين على جوانب الطريق.
في قراءة سعاده حياة، لا تُشرح بسرد أو تحليل وشرح. فأنت كلما قرأته انفتحت أمامك أبواب جديدة.
إنّ القطعان التي أراد الزعيم محاربتها يوم أرسى نشأة الحزب، لا تزال تنهش العقول والذمم.
ولعلّ أجمل ما قد نفعله في عيد التأسيس، هو التعمّق في فكر سعاده، ففيه نجد نفوسنا، وتعقل النصوص النفوس.
في ذكرى التأسيس تحية لأهل الأرض، لأبناء الحياة، الذين يتجذر فيهم العز والإيمان المستقى من تراب سورية، تحية لشهداء فلسطين لشبابها العزل إلا من كراماتهم، لجيش في أفراد، لتنطيم في فرد، في لبّ واحد. لأفراد فعلوا واستشهدوا وقالوا كلمتهم، فيما انحنى الخانعون ذلاً ومهانة.