عاطف تارك سيفه…!
} حمزة البشتاوي*
في ظلّ ما يسطره الشباب الفلسطيني من إبداع في المعركة المحتدمة مع الاحتلال وعلى كافة الجبهات، ومنها الثقافية والإعلامية، ما زال البعض يحاول تشويه الصورة، مردّداً بأنّ الفن والأدب يتطلبان عرض الروايتين «الإسرائيلية» والفلسطينية، وكأنّ الرواية الفلسطينية المشبعة بالعدالة والمظلومية والثورة يمكن أن توازي الرواية «الإسرائيلية» القائمة على الظلم والتزوير والتهجير، والمقصود بالبعض هم أولئك المطبّعون مع مؤسّسات «إسرائيلية» ويتبجّحون بأنهم يطبّعون مع «إسرائيليين» يساريين، وكأنّ الهوية الإيديولوجية تنزع عن المحتلّ صفة الاحتلال.
ويتبنّى هؤلاء مقولات مثل (لنضع خلافاتنا السياسية معهم جانباً) أو الدعوة لعزل الفن والثقافة عن السياسة، وهذا ما يريده الاحتلال للتغطية على جرائمه البشعة عبر التطبيع وما يُسمّى التشبيك مع أفراد ومؤسّسات ثقافية فلسطينية، وهذا ما تعمل عليه المؤسّسات «الإسرائيلية» ومنها مؤسّسة فان لير وصحيفة «يديعوت أحرنوت» ودار مكتوب للترجمة التي قامت بترجمة رواية الروائي د. عاطف أبو سيف (مشاة لا يعبرون الطريق) إلى اللغة العبرية، وقد قال أبو سيف إنّ هذا الأمر تمّ دون علمه أو موافقته ودون أن يوقع هو أو «الدار الأهلية للنشر» كأصحاب للحقوق الكاملة مع أيّ دار أو مؤسسة لترجمة الرواية إلى العبرية، وأصدرت الدار الأهلية بياناً قالت فيه: إنها تنظر في التقدّم بشكوى رسمية لاتحاد الناشرين الدوليين.
لكن السؤال: لماذا لم يقم الوزير الذي يدين التطبيع السياسي السيّئ ضدّ التطبيع الثقافي الأسوأ، وإذا كان موقعه السياسي يقيّده فإنّ موقعه ودوره الثقافي يتطلب منه التحرك ضدّ هذا العمل المشبوه، خاصة أنّ دار مكتوب تدّعي بأنها لا تترجم أيّ كتاب دون إذن أو موافقة خطية أو (شفوية) من الكاتب.
وانطلاقاً من أنّ المقاطعة الثقافية أمر غير عاطفي ويحتاج إلى سيف المواجهة بالاستناد إلى الموقف الفلسطيني الثابت والموحد ضدّ كافة أشكال التطبيع، فإنّ المطلوب من د. عاطف أبو سيف متابعة القضية مع اتحاد الناشرين الدوليين وملاحقة هذه الدار التي تعبث بالملكية الفكرية الفلسطينية، كما يعبث جيش الاحتلال بكافة مقومات الحياة على أرض فلسطين.
وبناءً على كلّ ما أثير حول هذه المسألة فإنّ السؤال هو: لماذا لا يتحرك وزير الثقافة ضدّ ما حصل، ولماذا ترك سيفه ولم يرفعه بقوة في مواجهة محاولة الاختراق، ولماذا لا يتحرك من خلال الكتاب والأدباء الفلسطينيين لصدّ هذه المحاولة على الجبهة الثقافية التي من أبرز مهامها حراسة الوعي والذاكرة وعدم حرف البوصلة عن الاتجاه الصحيح.
وفي حال لم يحصل التحرك المطلوب فإنّ ذلك قد يعني وجود اتفاق ما عبر طرف ثالث يقضي بالترجمة عبر دار مكتوب التي تعمل كرمح صهيوني في صدر الثقافة الوطنية الفلسطينية.
ولما كان موقف الروائي د. عاطف أبو سيف هو اعتبار ما جرى جريمة وسرقة وتطبيع، فعليه أن يصحو من حلم السيف ذو الحدين، الذي يُقال في تفسيره: إنه حلم يدلّ على الحيرة بين أمرين والوقوع بين نارين ومواجهة مشكلتين ووجود الحالم في ورطة تفرض عليه اتخاذ القرار الحاسم وتحكيم قلبه وعقله.
وأما في الواقع فإنّ المطلوب من وزير الثقافة أن يشهر سيف الثقافة الوطنية الفلسطينية ويقطع به الشك الذي يروّج له المطبّعون للمسّ بالرواية الفلسطينية التي ستبقى أنقى من سود صحائفهم وخضوعهم لرواية الاحتلال الذي يريد ويسعى لحذفنا من الجغرافيا والتاريخ.
*كاتب وإعلامي