أولى

جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية (الشمالية)

خلال الفترة الفاصلة من نهاية الحرب الكورية قبل قرابة سبعين عاماً، قادت واشنطن حرباً باردة لتجويع كوريا الشعبية الديمقراطية ومنعها من القيام بنشاط اقتصادي، مستثمرة إمساكها المستويين الدبلوماسي والمصرفي عبر العالم، عبر عدم الاعتراف بالدولة الناشئة بموجب اتفاق وقف النار على تقسيم كوريا الى دولتين في الشمال والجنوب، وحرصت على مساعدة دولة الجنوب للحصول على مقعد كوريا في الأمم المتحدة وتمويلها ومدها بأسباب القوة كمستعمرة أميركية. بينما وظفت هذا الثقل لمنح تايوان التي لا وجود لها كدولة في القانون الدولي، والتي يلتزم العالم بأنها جزء من الصين، لتجعل تايوان توأماً لكوريا الجنوبية.
خلال العقود التي مضت ركزت كوريا الديمقراطية الشعبية على بناء نظام للاكتفاء الذاتي، وبالتوازي بناء القوة العسكرية الاستراتيجية التي تتيح لها تهديد الهيمنة الأميركية، وفرض التفاوض معها من موقع القوة والاقتدار، وعبر علاقات دولية محدودة جمعتها بالدول الرافضة للهيمنة الأميركية، وخصوصا الصين وروسيا وإيران وسورية وكوبا، تمكنت من توفير مقومات الصمود طوال هذه السنوات، لكنها بلغت في ظل مشاريع الحصار والعزل والعقوبات مرحلة القدرة العسكرية النووية ونجحت بإنتاج صواريخ بالستية تطال العمق الأميركي كما تقول تجربتها الأخيرة باعتراف وزير الدفاع الياباني في وصفه نوع وحجم التجربة الصاروخية يوم أمس.
تواجه تايوان اختباراً صعباً في مواجهة قرار صيني أصبح جزءاً من الدستور باعتبارها جزءاً من الأرض الصينية الواحدة، والإصرار على حسم أمر استعادة وحدة التراب الصيني ومن ضمنه تايوان بصفته من أولويات الدولة والحزب الحاكم، والرهان التايواني على الحماية الأميركية يقابله سعي أميركي لتجميد المواجهة مع الصين، والبحث عن تسويات معها، سيكون التخلي عن توفير الحماية لتايوان أحد بنودها تفادياً لنشوب حرب مع الصين.
لم يعُد في قاموس أميركا واليابان وكوريا الجنوبية مفردة للتعامل مع الصعود الصاروخي النووي لكوريا الديمقراطية الشعبية إلا كلمة التنديد، مثل كلمة القلق التي صارت مفردة دائمة لبيانات الأمين العام للأمم المتحدة، وذلك ببساطة لأن لا شيء يملكه الغرب كله في مواجهة كوريا الديمقراطية الشعبية. فالحصار شامل والمقاطعة تامة والعقوبات مستدامة، والحرب كارثة.
تحول مثال كوريا الديمقراطية الشعبية عند الكثير من مدّعي الثقافة في منطقتنا موضوعاً للتنمر على كل مقاوم، بالقول أنتم تريدون تحويلنا الى كوريا شمالية أخرى، ولن يكون الزمن الذي نقول لهم فيه “أين تايوانكم وأين كوريتنا”، ببعيد!

التعليق السياسي

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى