الشهداء منصور ورياض حداد ووليم نصر ونعمة الله موسى ابراهيم… إبل السقي عام 1958
ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…
تُخصّصُ «البناء» هذه الصفحة، لتحتضنَ محطات مشرقة من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة، وقد سجلت في رصيد حزبهم وتاريخه، وقفات عز راسخات على طريق النصر العظيم.
وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا أي تفصيل، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.
أنّ نكتب تاريخنا،..فإننا نرسم مستقبل أمتنا.
إعداد: لبيب ناصيف
الشهداء منصور ورياض حداد ووليم نصر
ونعمة الله موسى ابراهيم… إبل السقي عام 1958
كان الرفقاء منصور حداد وشقيقه رياض، نعمة الله موسى، ووليم نصر، قد إطمأنوا إلى الوعود التي قطعها الخصوم في بلدتهم إبل السقي، «فهم لهم أخوة وأهل وأقارب»، وبالتالي فلا لزوم «لأن يستمروا ملتجئين في بلدة جديدة مرجعيون، فما سيحصل لهم يحصل لجميع أهل البلدة». فاقتنعوا بالتطمينات، وارتاحوا إلى الوعود، وعادوا إلى بلدتهم .
قبل ذلك كانت منفذية مرجعيون قد طلبت إلى جميع الرفقاء الذين يقطنون في قرى غير آمنة لهم، الانتقال إلى أماكن أخرى، والتجمع حيث يمكن حمايتهم والدفاع عنهم. وهذا ما قام به الرفقاء الأربعة فانتقلوا إلى مخيم الحزب في بلدة مرجعيون، إلى أن أخذوا بالتطمينات الكاذبة فعادوا إلى قريتهم، ليفاجأوا مساء الثالث من شهر أيلول 1958 بعناصر حاقدة تداهم بيوتهم وتعتقلهم، وعلى رأسها شخص يُدعى “علي الوحش”.
فوراً تمّ إبلاغ قيادة الجيش اللبناني في مرجعيون، ومنفذية الحزب التي راحت تتابع الموضوع. بدورهم اتصل أهالي الرفقاء المخطوفين بأحد المسؤولين في الشام ممن تربطه بالمنطقة أواصر قربى، إلا أنّ جميع المحاولات باءت بالفشل، وقد كان للذين قدموا التطمينات والوعود المعسولة دورهم في ذلك عبر الضغوط التي مارسوها للحؤول دون الإفراج عن الرفقاء، الذين عُلم في ما بعد أنهم نقلوا إلى الأحراج بين بلدتي كفرشوبا وكفرحمام بتاريخ 7 أيلول حيث تمّت تصفيتهم، ودفنهم في مكان مجهول، إذ حتى تاريخه لم يعثر على جثثهم.
إذا كان التاريخ سيسجل في صفحات من نور، أسماء رفقائنا الشهداء الذين لم يتخلوا عن إيمانهم في كلّ الظروف، فإنه سيسجل أيضاً في صفحات سوداء قاتمة أسماء المجرمين الذين نكثوا بالوعود وخانوا التعهّدات واستدرجوا رفقاءنا إلى مؤامرة دنيئة لا يتقنها سوى الجبناء.
*كانت منفذية مرجعيون قد عمدت إلى إيواء الرفقاء، والعائلات التي كانت تضطر لمغادرة قراها في منطقة مرجعيون – حاصبيا في بيوت التعمير(1) الكائنة عند سفح التلة المشرفة على جديدة مرجعيون، بعد ذلك أقامت المخيم في مكان أعلى من تلك البيوت، محتفظة بعدد منها من أجل خدمات محددة (مخزن أسلحة ـ سجن ـ مستودع للمواد الغذائية إلخ…).
*عهدت عمدة الدفاع إلى الرفيق مسلط أبو فخر(2) بأمرة المخيم، وعندما انتقل إلى شملان للمساهمة في قيادة المعارك التي حصلت في منطقة شملان ـ عيناب ـ قبرشمون، تعيّن الرفيق محمد معروف آمراً(3).
*حاول الرفيق جريس حداد ـ شقيق الرفيقين رياض ومنصور ـ (يعمل في بحمدون وكان في زيارة إلى أهله) تضليل المسلحين الذين جاؤوا مساء الثالث من أيلول يطرقون باب المنزل ويسألون عن شقيقيه. وعندما لم يجدوهما، اقتادوه إلى منزل عمّته حيث ينام الرفيق منصور، ثم إلى منزل الرفيق رياض، وبعد أن أخلوا سبيل الرفيق جريس توجهوا إلى منزلي الرفيقين وليم نصر ونعمة الله موسى إبراهيم واصطحبوا الرفقاء الأربعة تحت ذريعة أنهم يحاولون استجوابهم فقط وإعادتهم.
اعتقد الرفقاء أنّ هذا قد يتحقق إذ منذ فترة قصيرة كان استدعي مدير مديرية «ابل السقي» الرفيق حليم السويدي للتحقيق معه في كفرشوبا، ثم أخلي سبيله.
الرفيق نعمة الله موسى إبراهيم:
*مواليد إبل السقي عام 1918.
*انتمى إلى الحزب عام 1939 في منفذية مرجعيون، وتولى عدة مسؤوليات حزبية محلية، منها مسؤولية مدرّب مديرية إبل السقي، ناظر تدريب منفذية مرجعيون.
*انتسب إلى سلك قوى الأمن الداخلي (الدرك)، إنما صُرف لاحقاً من الخدمة بسبب انتمائه ونشاطه الحزبيين.
الرفيق رياض أسعد منصور حداد:
*مواليد إبل السقي عام 1924.
*انتمى إلى الحزب عام 1946 في منفذية مرجعيون.
الرفيق منصور أسعد منصور حداد:
*مواليد إبل السقي عام 1930.
*انتمى إلى الحزب عام 1946 مع شقيقه الرفيق رياض.
الرفيق وليم جرجي نصر:
*مواليد إبل السقي عام 1930.
*انتمى إلى الحزب عام 1948.
*تطوّع في الجيش اللبناني، إنما صُرف من الخدمة بسبب جهره بالانتماء إلى الحزب. وكان قبل ذلك قاتل في فلسطين في العام 1948.
*تولى مسؤولية مدرّب في مديرية إبل السقي، وساهم بالتدريب في مخيم الحزب في جديدة مرجعيون.
هوامش:
1 ـ بيوت التعمير: كانت الدولة اللبنانية قد أنشأت مصلحة التعمير بعد أن ضرب الزلزال مناطق عديدة في لبنان عام 1956، وعمدت المصلحة إلى تشييد بيوت في المناطق التي تعرّضت للزلزال من أجل إيواء العائلات المشرّدة.
2 ـ مسلط أبو فخر: من شهداء الحزب في الثورة الانقلابية 1961-1962، من منطقة السويداء.
3 ـ من الكيان الشامي، سرح من الجيش برتبة رقيب بعد أحداث المالكي، غادر إلى الأرجنتين (مدينة توكومان) وفيها وافته المنية.
القنصل الفخري في الهند ومرشح للانتخابات في طرابلس
الرفيق طارق غالب أبو النصر اليافي
قليلون جداً هم الرفقاء الذين سمعوا بالرفيق طارق اليافي، ذلك أنه قلما أمضى سنوات حياته، والتزامه الحزبي على أرض الوطن، ثم كانت وفاته الباكرة، وهو في مقتبل العمر وفي عز عطائه.
من جهتي لم أتعرّف إلى الرفيق طارق إنما أحفظ في ذاكرتي أنه كان قد ترشح عن الحزب السوري القومي الاجتماعي في طرابلس، إلى أن أمكنني أن أتصل بالفاضلة عقيلته، والشرف بأن أزورها في بيتها لأتعرّف عبرها على ما كان يتمتع به الرفيق طارق من فضائل الحزب ومزايا الالتزام الصادق بالنهضة وغايتها في الوطن.
من الفاضلة السيدة سعاد هذه المعلومات التي زوّدتنا بها مشكورة:
ـ ولد الرفيق طارق أبو النصر اليافي في مصر، إنما تمّ قيده في سجل نفوس مدينته طرابلس.
ـ والده غالب، كان من كبار تجار خيطان الغزل وأسّس معامل للأقمشة في مدينة بومباي، الهند.
ـ درس الرفيق طارق في مدرسة الفرير في دمشق التي فيها كان يقطن خاله أبو الهدى اليافي.
تابع دروسه في الجامعة الوطنية في عاليه، ثم في الجامعة الأميركية في بيروت.
عام 1941 بعد أن تخرّج من الجامعة غادر إلى الهند لمعاونة والده في أعماله.
قبل مغادرته، عقد الرفيق طارق قرانه على ابنة عمه السيدة سعاد محمد اليافي.
ومن الهند تابع دراسة العلوم الاقتصادية والمصرفية بالمراسلة مع لندن.
فيما غادر والده الهند عائداً إلى لبنان، عام 1943، تابع الرفيق طارق أعمال والده مستمراً بذلك حتى العام 1951.
في العام المذكور عاد الرفيق طارق إلى لبنان، بدعوة من الحزب ليخوض الانتخابات النيابية منفرداً عن الحزب في مدينة طرابلس، مستنداً بذلك إلى قوة الحزب، وإلى مكانة عائلته وانتشارها.
مرة ثانية خاض الرفيق طارق الانتخابات النيابية، مما جعله ينفق الكثير من أمواله، فانعكس ذلك سلباً على أعماله التجارية في الهند.
وهذا مما اضطره إلى توقيف أعماله في الهند وتأسيس مشروع زراعي في منطقة حماة بالاشتراك مع السيد خالد العظم الذي تولى لاحقاً رئاسة الوزراء في الكيان الشامي.
بعد ذلك أسّس مكتباً للاستيراد والتصدير في بيروت، قبل أن يغادر الوطن مرة جديدة، إنما هذه المرة إلى كراتشي (الباكستان) حيث أسّس فيها مشروعاً تجارياً.
يبدو أنّ المشاريع العديدة التي أسّسها الرفيق طارق في لبنان، الهند، حماة وكراتشي أمّنت له الكثير من العلاقات الناجحة بفضل ما تميّز به من دماثة أخلاق وحسن تصرف، ومن رقيّ في التعاطي مع أصدقائه ومعارفه كما الذين تعاطى معهم تجارياً ومالياً. عام 1955 انتقل الرفيق طارق إلى بغداد ليتولى إدارة مكتب شركة طيران لبنان Air Liban.
بعد قيام الثورة التي قادها عبد الكريم قاسم في العراق عام 1958، انتقلت عقيلته مع أولادها إلى لبنان.
عام 1959 قدم الرفيق طارق إلى لبنان لزيارة عائلته، إلا أنّ القدر كان في المرصاد، فسقط بسكتة قلبية حادة أودت بحياته، ولم يكن قد تجاوز الـ 38 من عمره، لتشهد طرابلس أحد أكبر مآتم التشييع حيث سارت وراء نعش الرفيق الشاب طارق اليافي جموع كبيرة من المواطنين والرفقاء تطري على مزاياه وعلى ما تعرفه فيه من حضور لافت، حزبياً، اقتصادياً واجتماعياً.
قبل ذلك كان الرفيق طارق تقدّم باستقالته من شركة Air Liban بعد أن كان وقع عقداً للعمل مع فرع بنك انترا في سويسرا.
في فترة إقامته في مدينة بومباي (الهند) تولى الرفيق طارق اليافي القنصلية الفخرية للبنان فيها.
رزق الرفيق طارق والفاضلة عقيلته خمسة أولاد:
ـ سامي، وهو حالياً مدير لأحد المصارف في لندن
ـ عمر، رجل أعمال في السعودية.
وثلاث بنات.
آل اليافي
ـ تتفرّع عائلة اليافي من الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب.
ـ سار جدودهم مع الحملة العربية إلى الأندلس، ومنها رحلوا إلى المغرب، ثم إلى دمياط في مصر وهناك عاش الشيخ محمد دمياطي، ورحل معه ولده محمد الثاني إلى يافا وفيها أنجب الشيخ أبو الوفا عمر بن محمد بن محمد الدمياطي.
ـ أنجب الشيخ عمر المذكور ثلاثة أنجال هم:
ـ الشيخ محمد اليافي الملقب بالزهري وتوفي في دمشق عام 1277 هجري.
ـ الشيخ محي الدين اليافي، مفتي بيروت، وتوفي فيها عام 1304 هجري.
والشيخ محمد أبو النصر اليافي.
من أبناء المرحوم الشيخ محي الدين اليافي: عبد الغني والد عارف، والد الرئيس عبدالله اليافي الذي تولى رئاسة الحكومة في لبنان أكثر من مرة، وكان نائباً عن بيروت مراراً.
أما الشيخ محمد أبو النصر فقد ولد في بيروت عام 1801 وتوفي في مصر عام 1861 وكان في عصره من أشهر علماء التصوف وبرع في الحديث والعلوم الفقهية وغدا من كبار علماء الشرع الإسلامي. ويُروى عنه أنه بذل الكثير من ماله في إحياء النهضة العلمية في بيروت ثم انتقل إلى الأستانة (اسطنبول) ـ ولما عاد إلى بيروت بنى زاوية للمتصوّفين ونزلاً مؤلفاً من ثلاثة طوابق وبيتاً للضيافة، وسوقاً سمّي بسوق أبو النصر، وهو السوق المعروف سابقاً في وسط بيروت غرب ساحة الشهداء، وكان من أشهر أسواقها.
تتواجد عائلة اليافي في كلّ من لبنان، الشام، مصر والسعودية. في لبنان تتوزع بشكل أساسي في العاصمة بيروت وفي طرابلس.
الأمين إسماعيل مرعي
أمين آخر من بلدة يبرود(1) (القلمون – الشام) كان له حضوره الحزبي الجيّد في الأرجنتين، تمتع بثقافة حزبية جيدة، وتولى فيها مسؤوليات حزبية عديدة، هو الأمين إسماعيل مرعي.
بتاريخ 1/8/1993 نشرت جريدة «الديار» نعي الحزب للأمين إسماعيل مرعي، جاء فيه:
« بعد صراع طويل مع المرض الذي أقعده الفراش، غيّب الموت في المغترب الأرجنتيني الأمين الجزيل الاحترام إسماعيل مرعي.
«والأمين مرعي من مواليد يبرود في الجمهورية العربية السورية في 10 آذار 1910 .
« انتمى إلى الحزب في آذار عام 1950 ومنح رتبة الأمانة في نيسان 1979 وتولى مسؤوليات حزبية عديدة منها ناموس منفذية وناظر إذاعة، وهو متزوج وله أربع بنات».
وبصفتي، آنذاك، عميداً لشؤون عبر الحدود، وجهت الصادرة 123/9/61 إلى منفذية الأرجنتين، أوردت فيها التالي:
«تبلغنا بأسى وفاة الأمين الجزيل الاحترام إسماعيل مرعي بعد صراع طويل مع المرض الذي كان أقعده الفراش.
عرفنا الأمين مرعي مناضلاً، صادقاً في التزامه، واعياً عقيدة حزبه وممارساً لواجباته الحزبية.
وإنْ رحل الأمين إسماعيل مرعي فهو باق في وجدان حزبه، وفي تاريخ منفذية الأرجنتين إلى جانب الأمين الراحل خليل الشيخ ورفقاء آخرين أحباء نذكرهم دائماً باللوعة والأسى كالرفقاء والرفيقات: خليل الزغت، مصطفى رزق، جورج المير، ديانا وكاتالينا المير، ميخائيل ميخائيل، محمد معروف والعديد غيرهم ممن، وان فاتنا أن نذكر أسماءهم، إنما هم باقون في ذاكرة حزبهم، خالدون وأحياء».
*
في 30/11/1987 حرّر الأمين إسماعيل مرعي إضبارة خاصة بالأمناء، أورد فيها المعلومات التالية:
ـ تاريخ الولادة 10 آذار 1910.
ـ الزوجة أرجنتينية، وقد رزق منها بأربعة بنات.
ـ انتمى في آذار عام 1950.
ـ منح رتبة الأمانة في 9 نيسان 1979.
ـ تولى مسؤوليتي ناظر إذاعة وناموس منفذية.
ـ ساهم في العمل الدعائي، خاصة عبر نشرات إعلامية، توعية للخطر الصهيوني على أرضنا كما على الأرجنتين.
*
قبل ذلك، في 12/8/1986 وجهت إلى عمدة الداخلية صادرة جوابية حول تقييم حاملي رتبة الأمانة، بناء لما كان ورد من منفذية الأرجنتين عن الأمينين خليل الشيخ وإسماعيل مرعي.
عن الأمين إسماعيل: «ما زال مثالاً في حياته وفي نشاطه الحزبي، وبالرغم من السنوات التي يحملها على منكبيه هو قدوة في الالتزام والنظامية وتحمّل المسؤولية، وحالياً يقوم بمهام ناموس المنفذية بحمية واندفاع».
عام 1989 ألمّت الوعكة الصحية بالأمين مرعي مما استدعى أن أوجه له صادرة بتاريخ 18/5/1989 راجياً «أن تكون تلك الوعكة عابرة فتنتصرون عليها مثل انتصاركم الدائم على العقبات والصعاب، بفضل تلك النهضة التي فولذت نفوس أبنائها فجعلتهم أقوى من النكبات وأصلب عوداً أمام الرياح.
إنني باسم مركز الحزب أتقدّم منكم بأمل الشفاء العاجل متمنياً لكم الصحة والعافية وراجياً أن تعودوا إلى صراعكم القومي الاجتماعي وأنتم أقدر على العطاء والبذل».
إلا أنّ صحة الأمين مرعي استمرّت بالتدهور ولم يعد قادراً على القيام بموجبات رتبة الأمانة، والمسؤوليات الحزبية في منفذية الأرجنتين. إلى أن أضحى في وضع لا يتمكن فيه من مغادرة المنزل، يستقبل رفقاءه ويتعرّف منهم على أخبار الحزب ويطلع على النشرات الصادرة إلى أن غلبه المرض فانطفأت شعلة الحياة فيه، لينضمّ إلى كوكبة الخالدين من شهداء، ومن رفقاء مناضلين.