أولى

لماذا يسعى أردوغان للقاء الأسد؟ ولماذا يتمهّل الأسد في الموافقة؟

‭}‬ العميد د. أمين محمد حطيط*
عندما جاء حزب العدالة والتنمية الى السلطة في تركيا في العام 2002 رافعا شعارات مؤيدة للحق العربي والإسلامي في فلسطين من جهة ومطلقاً استراتيجية صفر مشكلات مع الغير ومعلنا رغبته في حسن الجوار، استبشرت سورية خيراً به وفتحت له أبواب الصداقة والجيرة الحسنة لا بل والاخوة أيضاً الى حد شجع بعض المعنيين بالشأن من السوريين من أصحاب الفكر وصناع الرأي على إطلاق شعار التوازن الاستراتيجي السوري بين تركيا وإيران، وبالفعل قامت سورية بكل ما ينبغي من أجل تعزيز او توثيق العلاقات مع تركيا واستجابت الى المسعى التركي أيضاً لعقد مفاوضات غير مباشرة في تركيا مع العدو الصهيوني في العام 2008، استجابة جاءت كتعبير عن الثقة السورية بالقيادة التركية تلك.
بيد أنّ تركيا لم تكن على مستوى الثقة السورية بها لا بل تصرفت اعتباراً من العام 2011 بقيادة أردوغان على نقيض ما كان يؤمَل منها، وبرزت من غير أدنى شك او التباس، رأس حربة العدوان الكوني على سورية، وبين ليلة وضحاها انقلبت من أخ صديق متفاهم معه استراتيجياً الى عدو يريد السيطرة والهيمنة والاحتلال وفرض إرادته على كامل سورية ومنها الى دول عربية أخرى لإقامة «إمبراطورية بني عثمان الجديدة» متوسلة في ذلك جماعة الاخوان المسلمين التي لها وجود ونفوذ في أكثر من دولة عربية. وظن اردوغان الذي قاد هذا الانقلاب ونفذ العدوان على سورية بأن عدوانه سيحقق أهدافه في مهلة لا تتجاوز الأشهر الثلاثة وانه سيصلي في الجامع الأموي في دمشق إماماً للولاة الذين سيعيّنهم على «ولايات الإمبراطورية الجديدة» التي ستكون سورية جزءاً منها.
ودارت الحرب الكونية ضد سورية وتبدلت الاستراتيجيات وتقلبت القيادات العدوانية إقليمياً ودولياً وخصّصت المبالغ الطائلة لتدمير سورية وتحقيق أهداف العدوان عليها، وشاركت في العدوان أكثر من 85 دولة، حشدت أكثر من 360 الف إرهابي متنوّعي الخبرات والتسليح زجّ بهم في الميدان السوري لتحقيق أهداف العدوان لكن سورية بذاتها وبقوتها الذاتية أولاً ثم بقوتها التحالفية وأصدقائها ثانياً صمدت ومنعت المعتدين من تحقيق أهدافهم ووصلت الى اليوم الذي تقول فيه إنها انتصرت وهزمت الأعداء في مشروعهم الأساسي وبقيت لديها مهمة إزالة مظاهر من ذيول العدوان قائمة في بعض مناطق الشمال والشمال الشرقي والشمال الغربي بشكل خاص والتي تتمثل بالاحتلال التركي وما يرعاه من إرهاب والاحتلال الأميركي وما يحتضنه من حالة انفصالية كردية.
إن المشهد القائم في سورية اليوم ينبئ بكل وضوح ان العدوان عليها فشل أولاً، وأن معالجة ذيوله الاحتلالية والإرهابية والانفصالية ستستمر وهناك عزم وإصرار سوري على المعالجة كما أن هناك ثقة ويقيناً بإنجاز المهمة هذه كما أنجزت المهمة الأساس في الدفاع عن الكيان السوري منذ العام 2011.
في ظل هذا المشهد، وقبل ستة أشهر من الانتخابات التركية، بدأ الرئيس التركي أردوغان مع بعض من وزراء ومسؤولين في حكومته يروّجون لفكرة عقد قمة سورية تركية برعاية روسية يلتقي فيها الرئيس بشار الأسد مع الرئيس رجب اردوغان بحضور ورعاية او وساطة الرئيس الروسي بوتين، وقد ذهب البعض من الأتراك الى تحديد سوتشي مكاناً للقمة التي برأيهم ستعقد قبل أول العام الجديد، فهل هي صحوة ضمير أم هو العجز والمصلحة والضغط الداخلي الذي فرض المراجعة والعرض؟
لقد برر الأتراك دعوتهم او ترويجهم للقمة بمقولة «ان ليس في السياسة أحقاد وعداوات دائمة» وأن مصالح البلدين الجارين تقتضي مثل هذا اللقاء لحل القضايا المشتركة بما يضمن بشكل أساسي أمن البلدين واستقرارهما. فما هي حقيقة الأهداف التي ترمي تركيا الى تحقيقها من خلال هذه القمة وهل أقنع الموقف التركي المستجدّ سورية ووضعها في موضع المستعدّ للاستجابة؟
على السؤال الأخير كان الردّ السوري سلبياً، وصدر دون أن يدرج في بيان او اعلان رسمي واكتفي فيه بما تناقلته وكالات الأنباء نقلاً عن مسؤولين سوريين من أن الأسد ليس بصدد لقاء أردوغان في الوقت الحاضر خاصة قبل الانتخابات التركية وقبل أن تقوم تركيا بخطوات تزيل الحواجز عن طريق هذا اللقاء وأهمها:
أ ـ إنهاء الاحتلال التركي لأراضٍ سورية.
ب ـ وقف الاستثمار التركي بالأوراق الإرهابية.
ج ـ تنفيذ مقرّرات سوتشي وأستانة المتعلقة بالميدان السوري.
د ـ الإعلان الصريح عن النية الصادقة للعودة الى اتفاق اضنة الذي يرعى الشأن الأمني بين البلدين.
من يعرف سورية وقيادتها لم يفاجأ بردّها على العرض التركي، خاصة أن أردوغان يُدلي به في وقت حرج بالنسبة له ويبتغي منه الحصول على أوراق قوة يستعملها في الداخل التركي قبل الانتخابات من خلال مسائل تشكل الأهداف الحقيقية للقاء، وهي:
1 ـ ضمان الأمن التركي دون الحاجة الى العملية العسكرية البرية التي يلوّح بها ويلاقي بشأنها معارضة أميركا وروسيا وإيران.
2 ـ حل ملف النازحين السوريين الى تركيا والذين فاق عددهم كما يزعم ٤ ملايين نازح باتوا يشكلون عبئاً أمنياً واقتصادياً واجتماعياً على تركيا وتستثمره المعارضة.
3 ـ إعادة الحياة الى شرايين التجارة والاقتصاد التركي عبر سورية الى الشرق والخليج بما يخفّ من الضغط على الليرة التركية المنهارة.
4 ـ استباق الحركة الإقليمية والدولية التي تتمثل بالتحضيرات للعودة الى سورية المنتصرة وعقد الاتفاقات الثنائية معها للحصول على حصص في إعادة الإعمار.
ومع هذا نقول نعم ليس في السياسة عداوات دائمة وأن الجغرافيا تفرض أحكامها على الكيانات السياسية المتجاورة، لكن يبقى للتاريخ والتوقيت حكمه ودوره في تقرير زمن الفعل وإن كان الفعل بذاته مسلّما بوجوب حصوله، لذلك نرى أن الموقف السوري الواقعي والعقلاني الذي ينتظر الفراغ من الانتخابات التركية ليتقرر اتجاه الأمور وحجمها هو موقف في محله وليست سورية من يقدّم خدمات مجانية في حملة اردغان الانتخابية بعد أن فعل كل ما فعل ضدها.
*أستاذ جامعي – خبير استراتيجي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى