ملحمة المعارضة الزائفة في إيران
ناصر قنديل
أعلنت الجماعات التي تقود المواجهة مع الدولة الإيرانية عبر القنوات التلفزيونية الكثيرة التي تروّج لها، وهي تذكّرنا بكونها مجرد تلفزيونات بدون أسماء تشكيلات وشخصيّات تقف وراء الدعوة بما جرى في لبنان في بدايات حراك 17 تشرين الأول 2019 في لبنان، أن أيام أول أمس وأمس واليوم هي أيام الملحمة الإيرانية، متوعّدة بخروج مئات آلاف الإيرانيين في طهران والمدن الكبرى الى الشوارع والميادين؛ بينما يؤكد المقيمون في طهران، على الأقل أن لا شيء من هذا قد حدث، وأن ما تمّ ترويجه عن حشود ملأت ميدان الحرية في طهران تداولته مواقع التحريض على إيران، مجرد كذبة، بما يذكرنا بشاهد العيان الذي كان يواكب الحرب على سورية من غرفة التحرير في القنوات المكرّسة لصناعة الحرب، ومرّة كان يقول ان جميع وسائل الاتصال مقطوعة بما فيها هواتف الثريا الفضائية والانترنت والهاتف الخليوي والأرضي، دون أن يسأله المذيع، وكيف تتصل بنا من درعا؟
نجحت الحملة على إيران بتحويل مجموعة عناصر اجتمعت قبل شهور الى حالة قابلة للاستثمار، واستثمرتها، سواء ما يتصل بالسلوك الاجتماعي للأفراد وجعله موضوع مراقبة أجهزة أمنية، وهو أمر يتسبب بالضيق ويشكل استفزازاً وتحدياً للخصوصيّة ومساحة الحرية الشخصية التي يتمسك بها البشر عموماً، ومنهم الإيرانيون، ومن عناوين السلوك الاجتماعي للأفراد قضية الحجاب التي تفجرت مع وفاة مهسا أميني خلال ملابسات ملاحقة مشابهة من شرطة الأخلاق، ومنحت الفرصة لتفجير قضية الحجاب، ومثلها قضايا الخصوصيات القومية الواقعة على حدود إيران مثل الأكراد والبلوش، والتي كانت فيها دائماً جماعات قومية متطرفة في حال توتر قابل للتوظيف كلما أوحي للمنتمين الى هذه الجماعات القومية بأن الدولة المركزية تضعف وأن أمامهم فرصة التحرك وصولاً للانفصال وتحقيق «استقلال قومي». هذا بالإضافة الى وجود قضايا مطلبية متحركة تحت تأثير العقوبات والأزمات الاقتصادية المرتبطة بها، وتوظيف هذه العناصر وما يشبهها عبر استثمار إعلامي مكثف وتحشيد جماعات منظمة مكوّنة من المئات من العناصر المنتشرين في المواقع والمناطق والشوارع المطلوب تحريكها لقيادة أعمال شغب وتخريب وجرّ المتظاهرين اليها، فكان المشهد الذي عرفناه.
تعاملت القيادة الإيرانية مع هذه القضية المركبة ببرود وهدوء لتفكيك مكوناتها، وعزل عناصر التخريب المشبوهة عن البيئة التي تحمل مطالب تحتاج إلى معالجة سياسية، وكان قرار تعليق عمل شرطة الأخلاق إحدى هذه النتائج التي أفضى إليها المنهج الذي اعتمدته القيادة الإيرانية، كما كانت زيارة الرئيس إبراهيم رئيسي الى جامعة طهران مظهراً مشابهاً للسعي لشرح الموقف وتلبية المطالب الطالبية، وتأكيد التمييز بين حق التظاهر المصان وأعمال التخريب، وبالتوازي قامت القوى الأمنية الإيرانية بوضع اليد على الجماعات المنظمة التي تتولى التخريب، سواء القومية المتطرفة التي تؤمن واشنطن تمويلها وتسليحها، أو جماعة مجاهدي خلق التي لا تخفي علاقتها بكل من إسرائيل أمنياً، أو بقايا جماعة الشاه الذين يتخذون من أميركا وأوروبا قواعد انطلاق لهم، ووجّهت القيادة العسكرية الإيرانية رسائل قوية للجوار الذي يستضيف هذه الجماعات، وصولاً لأقرب المقربين في العراق، الذي تحوّلت المناطق الكردية فيه قواعد انطلاق لهذه الجماعات، وكذلك المناطق الباكستانية الحدودية، وخلال الشهر الثاني كانت الأحداث تبدأ بالتراجع، وصولاً لبداية الشهر الثالث التي تقترب هذه الأيام، إذا اعتبرنا حادث وفاة مهسا أميني في 13-10 نقطة البداية، حيث تبدو الحياة الطبيعية في طهران والمدن الإيرانية قد عادت، والتظاهرات المطلبية في الجامعات وأمام مبنى البرلمان، جزء من هذه الحياة الطبيعية، كما حوار المسؤولين مع المتظاهرين.
الملحمة الزائفة التي بشّرت بها مئة قناة تلفزيونية باللغة الفارسية لم يظهر منها شيء، رغم أكاذيب شاهد العيان نفسه الجالس في غرفة التحرير ليقول إن كل أجهزة الاتصال مقطوعة في إيران، بما فيها الإنترنت وهواتف الأقمار الصناعية والهواتف الخليوية والأرضية، ورغم ذلك يغرّد وينشر صوراً وفيديوات أحياناً، مدبلجة وبعد المونتاج طبعاً، لكن أحدا لا يسأله يا شاهد العيان كيف تتصل بحساباتك وتنشر من طهران إذن؟