تحالف العدوان: لا بلح الشام ولا عنب اليمن والنووي الإيراني أمر واقع…
جمال العفلق
منذ عشر سنوات أو أكثر، يعمل الغرب كرأس حربة للتصريحات «الإسرائيلية» القلقة حول برنامج إيران النووي ويتبناها، وكان بعض الساسة العرب يسارعون إلى تبني ما كانت تنشره كبريات الصحف، والمصادقة عليه وترويجه. فالخطر النووي الإيراني مقلق للعرب، لكنّ ما تملكه «إسرائيل» منذ عقود لا يشغل بال أحد، وهو السلاح الغامض الذي ترفض دولة العدو التصريح عنه، لكنها تشير إليه بتصريحات من هنا وهناك، وخصوصاً مفاعل ديمونة في صحراء النقب والذي لم تستطع وكالة الطاقة الذرية الوصول إليه أو الاطلاع على نشاطه.
في هذا الإطار، تشكل تحالف مُعلن لمحاربة إيران بعد أن وجدت «إسرائيل» أنّ إمكانية الوصول إلى المفاعلات الإيرانية وضربها، كما حدث في العراق أمر مستحيل، أو على الأقلّ انعكاساته أكبر من أن تتحملها، فكان لا بدّ من طريقة يمكن فيها الضغط على إيران وإجبارها على فتح كلّ المنشآت النووية للمفتشين وتسليمها للغرب، وفق الرؤية «الإسرائيلية»، وهذا ما لم يحدث، رغم الحصار ورغم العقوبات الاقتصادية القاسية وبالرغم من الحرب القاسية التي يمارسها الحلفاء على إيران من خلال الحرب على سورية ومحور المقاومة والعدوان الجديد على اليمن، لضرب ما يسميه الحلفاء هناك تمدّداً إيرانياً.
وعلى وقع التصريحات «الإسرائيلية» وضربات طائرات تحالف العدوان في اليمن، خرج وزراء الخارجية الغربيين برفقة نظيرهم الإيراني، ليعلنوا التوقيع بالحروف الأولى على اتفاق ضمن للإيرانيين حقهم في برنامجهم النووي السلمي، ومهّد لقرار دولي برفع العقوبات الاقتصادية وقبل بالشروط الإيرانية، من دون أن يؤثر ذلك على تحالفات إيران الاستراتيجية، وخصوصاً مع سورية وحزب الله.
فماذا كسب المعادون لإيران من خلال عنوان التخوف من البرنامج النووي الإيراني؟
على أرض الواقع اليوم، تعدّ إيران لاعباً إقليمياً وقوة في نادي الكبار ودولة لديها صناعاتها العسكرية المهمّة، وهو ما لا يمتلكه المحيطون بها، معتمدين على حليفهم الأميركي وقواعده التي تنتشر وفق مصالحه الاقتصادية، لحماية مصادر الطاقة ليس إلا.
كانت إيران، وباعتراف أميركي، داعماً حقيقياً للعراق في محاربة الإرهاب، وما يتم تحقيقه من انتصارات هو بفضل الدعم الإيراني، وليس بفضل ما سمي التحالف الدولي ضدّ الإرهاب وطلعاته الجوية الوهمية. أما في سورية، فما زالت المعارك دائرة وقد سعى التحالف في الآونة الأخيرة إلى تحقيق تقدم على الأرض، للضغط على إيران من خلال محاولات إضعاف الحليف السوري، لعلّ ذلك يقلل من التمسّك الإيراني بشروط التفاوض.
لا يمكن اليوم الفصل بين ما يحدث في سورية والعراق واليمن والمفاوضات على الملف الإيراني من جهة، والتصعيد الذي يمارسه تحالف العدوان على تلك الدول من خلال تحريك العصابات الإرهابية التي تعمل بدعمه المالي واللوجيستي وبتوجيهات غرف العمليات التي تديرها «إسرائيل» وأميركا والسعودية وقطر في سورية، بالإضافة إلى تركيا التي تعمل، وفق حساباتها الخاصة، لتحقيق حلم العثمانيين الجدد في التوسع الجغرافي على الأراضي العربية.
إنّ ما يحدث في اليمن من قصف وتدمير ودعم معلن من قبل التحالف لعناصر القاعدة، ليس إلا حرباً عبثية أرادت أميركا من خلالها إعطاء جائزة ترضية للحلفاء ليفجروا نار غضبهم على شعب أراد التغيير، لمنعه من الاعتراض على أي اتفاق تُقدم عليه مع إيران.
من يفهم ويتابع السياسة الأميركية يعلم تماماً أنّ أي اعتراض ستفكر تلك الدول في إعلانه سيلاقى بقرار أميركي ودولي يعتبر ما يحدث في اليمن عدواناً واعتداء على سيادة دولة مستقلة، وهذا ما لا يمكن لتحالف العدوان تحمّله، حيث أنّ الخارطة السياسية اليوم أبرزت قوة تحالفات جديدة، وكشفت تلك الأحداث تحالفاً عميقاً بين السعودية و«إسرائيل»، من خلال اتفاقهما على أنّ إيران هي العدو المشترك الذي يجب محاربته. كما كشفت أنّ الغرب لا يبحث عن مصالح حلفائه في المنطقة بل يستخدمهم لتحقيق مصالحه، وأنّ أميركا وبريطانيا، ومعهما الغرب، يريدون إبقاء الدول التابعة لهم غارقة في ملفات متشعبة، وسوقاً استهلاكية لمنتجاتهم وحقل تجارب للأسلحة الجديدة التي يتم تصنيعها وبيعها لجيوش تعمل وفق ما يخدم أمن «إسرائيل» أولاً ومصالح الغرب، لكنها تورط دولها في حروب لا طائل منها ولا منفعة، فبعد ستة وثلاثين عاماً من عداء بعض الأنظمة العربية للثورة الإيرانية، نجد اليوم الفارق الكبير واتساع المسافة تقنياً وعلمياً وعسكرياً بينها وبين طهران، في وقت تتلاعب فيه «إسرائيل» بمبادرة السلام وتوسع مستوطناتها، بينما يدمر التحالف الدول والجيوش العربية، وتدفع تلك الأنظمة المليارات بحجة محاربة التمدّد الشيعي تارة، ونشر الديمقراطية طوراً، فلا يهمّ العنوان كثيراً بالنسبة إليها، بل المهم أنها تنفذ ما يطلب منها فقط.