مرة جديدة العرض الصيني إلى الواجهة… هل يجرؤ المسؤولون ويحذون حذو دول الخليج؟
} حسن حردان
عادت العروض الصينية لإقامة مشاريع البنى التحتية لا سيما بناء معامل الكهرباء، وإنشاء خطوط سكك الحديد، والموانئ الحديثة، في إطار خطة الصين، «الحزام والطريق»، والتي يحتلّ فيها لبنان موقعاً جغرافياً هاماً، عادت إلى الواجهة من جديد، لكن هذه المرة من خلال إعلان الرئيس الصيني شي جين بينغ، أثناء لقائه مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على هامش القمم الصينية العربية، والصينية الخليجية، والصينية السعودية، استعداد الصين والشركات الصينية لتنفيذ مشاريع البنى التحتية التي يحتاج إليها لبنان في سياق طريق الحرير، ما يعني أنّ الصين جادة في ما تقول وانّ جديتها أكدها هذه المرة أعلى رأس الهرم في الصين…
وهي تأتي بعد أن دشن الرئيس شي بينغ توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية للتعاون الاقتصادي مع المملكة العربية السعودية، التي رأت مصلحتها في ذلك، على الرغم من أنّ هذه الخطوة لا ترضي الولايات المتحدة التي يجمعها مع السعودية علاقات وطيدة واستراتيجية.. الأمر الذي يؤكد بأنّ الدول التي تملك هامشاً من الاستقلالية تستطيع انتهاج السياسات التي تخدم مصالحها.. وهو الأمر الذي اعتبر تطوراً جديداً تقدم عليه السعودية وغيرها من دول الخليج، يعكس التحوّلات الحاصلة على الصعيد الدولي نحو تكريس التعددية الدولية، وإقامة العلاقات بين الدول على قاعدة المنافع والمصالح المشتركة بعيداً عن سياسات الهيمنة والتسلط والإقصاء التي تنتهجها واشنطن التي لا تترك هوامش للدول التي تربطها بها علاقات استراتيجية…
على انّ هذا التطوّر في العلاقات الخليجية الصينية، والعرض الذي قدّمه الرئيس الصيني للبنان، وضع المسؤولين اللبنانيين وفي مقدمهم الرئيس ميقاتي، وضعهم مجدداً أمام تحدي تلقف وقبول هذا العرض الذي يحتاج اليه لبنان بشدة ويسهم في انتشاله من أزماته الاقتصادية والمالية والخدماتية الخانقة، ويضعه على سكة التعافي الحقيقي، والاستغناء عن استجداء صندوق النقد الدولي والدول المانحة والخضوع لشروطهم المذلة وابتزازهم الذي لا حدود له في حال قبل بها لبنان ووقع في شباكها…
فالعرض الصيني المتجدّد للبنان، يأتي هذه المرة معززا بسقوط الفيتو الأميركي، خليجياً، على تطوير علاقات التعاون الاقتصادي مع الصين، واضطرار الإدارة الأميركية إلى التعايش مع هذا الواقع الجديد، الأمر الذي يؤكد أنّ بإمكان الدول انتهاج سياسات متوازنة في علاقاتها الاقتصادية مع جميع الدول، إذا ما توافرت الارادة لذلك، وانّ انتهاج مثل هذه السياسات سيدفع واشنطن بالنهاية إلى احترامها والتكيّف معها لضمان الحفاظ على مصالحها…
ولبنان الذي يئنّ من الأزمات إنما هو بأمسّ الحاجة أكثر من دول الخليج لإقامة علاقات التعاون الاقتصادي مع الصين والاستفادة من خطة طريق الحرير الصينية والمشاريع الهامة التي تعرض الصين إقامتها في لبنان لقاء قبوله بأن يتحوّل الى ميناء بحري وبري لتبادل السلع والبضائع بين الشرق والغرب وبالعكس، في آن معا… فالعروض الصينية السخية لم تكن ممكنة لولا هذا الموقع الجغرافي للبنان، والذي جعل منه حاجة صينية هامة في طريق الحرير، كما هو سبب اهتمام الغرب به وفي المقدمة الولايات المتحدة.
لهذا فإنّ كلّ ما في الأمر إنما هو، أن يدرك المسؤولون اللبنانيون، الذين امتنعوا عن قبول العروض الصينية استجابة لطلبات واشنطن أو خوفاً من ردّ فعلها، أن يدركوا أهمية عدم إضاعة هذه الفرصة الذهبية لإخراج لبنان من أزماته، وكذلك عدم الخوف من الإقدام على اتخاذ مثل هذه الخطوة، وانّ بإمكانهم أن يقولوا لاصدقائهم الأميركيين، أننا سنقدم على ذلك، خصوصاً أنه ليس هناك ايّ عروض بديلة للعروض الصينية.. كما من المستغرب ان لا يقدم لبنان على تنويع خياراته وعلاقاته الاقتصادية، تماماً كما فعلت وتفعل السعودية وبقية دول الخليج، التي تجاوز حجم علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع الصين أكثر بكثير من تلك التي تربطها بالولايات المتحدة.. على الرغم من وجود عشرات القواعد العسكرية الأميركية في دول الخليج والعلاقات التاريخية والاستراتيجية القائمة بين واشنطن والعواصم الخليجية..
لهذا فإنّ ما هو مطلوب أن يتجرأ المسؤولون اللبنانيون على قبول العرض الصيني المتجدّد، وان يقولوا للأميركي، ليس لدينا من خيار آخر لاستنقاذ لبنان من أزماته، وانّ هذه فرصة لبنان الذهبية التي يجب علينا تلقفها الآن قبل ان تضيع… وإلا فلتتقدّموا أنتم بمثل هذه العروض…