إدلب… مخيم اليرموك… نصيب: السيناريو الآخر

عامر نعيم الياس

«داعش على أبواب دمشق»، عنوان بارز لصحيفة «لوموند» الفرنسية في وصفها وصول «داعش» إلى مخيّم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، فيما لم تغب إدلب ومعبر نصيب الحدودي مع الأردن وانتشار «القاعدة» فيهما عن تغطية الصحف، لكنهم حتى اللحظة ما زالوا «ثواراً أو متمرّدين» من «النصرة». وحدهم «الجهاديون» هم من نصيب «داعش».

غمزت الصحافة الغربية من زاوية التشكيك بقدرات الجيش السوري وحلفائه. فما جرى في إدلب هو «أول انتصار تحققه القوات المناوئة للأسد» وفق «تايمز» البريطانية، أما «واشنطن بوست» الأميركية فقد كانت أكثر رهاناً على ما حصل بتأكيدها على أن «أسبوعاً سيئاً مرَّ على أسد سورية، فقواته عانت من انهيارين سريعين على جبهتين في الشمال مدينة إدلب والجنوب معبر نصيب مع الأردن وقبلها بأسبوع بلدة بصرى الشام ، ما يثير تساؤلات جدّية حول قدرة الرئيس لدرء حملات المتمردين المتطورة على نحو متزايد». هي تساؤلات حول قدرة الجيش السوري على مواجهة الهجوم المعاكس على قواته في شمال البلاد وجنوبها بما في ذلك تغيير المعادلات الميدانية في جنوب العاصمة دمشق، نراها مشروعة حتى لو أتت من الإعلام الغربي المحترف في الترويج لإنجازات تصب في مصلحة سياساته حتى لو كان بعضها وهمياً، على عكس إعلامنا المحترف في تبسيط الانتصار أو الهزيمة وتسطيحهما إلى حدود لا يتصوّرها عاقل في هذا الكون.

ما جرى من تراجعات على المستوى الميداني يبقي السيناريو المقلق مطروحاً على بساط البحث سواء على مستوى المراقبين والمهتمين في الشأن السياسي، أو الشارع الذي ينتابه قلق مبرر ممّا جرى خلال الأسبوع الأخير، لكن صورة التوسّع وسرعته تطرح من ناحية أخرى سيناريو آخر يرجح وجود توجّه سياسي لتعرية النشاط المسلّح في سورية أكثر فأكثر وصولاً إلى تكريس معادلة الصراع بين «القاعدة» و«داعش» من جهة، والدولة السورية من جهة أخرى، والدفع بالاختيار بين الطرفين إلى حدوده النهائية، مع سقوط ورقة «الاعتدال» بشكل تدريجي سواء على مستوى الخيارات السياسية أو على مستوى الميدان. «فالبرنامج الأميركي لتدريب القوة السورية الجديدة يواجه عقبات لوجستية ودبلوماسية» بحسب «واشنطن بوست»، إضافةً إلى جملة عوامل تدفع بهذا السيناريو إلى مصافي التوقعات وتجعله منطقياً أهمها:

ـ مخيم اليرموك وخروجه من معادلة الحماية الدولية باعتباره مخيماً للاجئين الفلسطينيين لا يجوز المساس به والاقتراب منه تحت طائلة المسؤولية الأممية، على رغم التهديد المباشر الذي يشكله المخيم الواقع على بعد ثمانية كيلومترات جنوب العاصمة دمشق. اليوم تغيّرت المعادلة هناك، والرئيس الأميركي باراك أوباما انتقد شخصياً ما جرى في المخيّم من سيطرة «داعش» عليه، أما الدروع البشرية من عوائل المسلحين الإسلاميين الفلسطينيين داخل المخيّم، والذين بقوا لمواجهة أي تدخل من الدولة السورية التي قدّمت للفلسطيين ما لم يقدمه أحد، هذه العوائل خرجت أخيراً، وصار المخيم ساحة للمواجهة بين الدولة السورية وتنظيم «داعش» الذي تتحكم في المواجهة معه قرارات دولية أقوى من الاجتهادات الأممية حول وضعية المخيمات الفلسطينية في الشتات.

ـ مدينة إدلب والمخاوف من تكرار سيناريو الرقة فيها لا تزال تؤرّق صانعي القرار في الغرب، فالعاصمة الجديدة لـ«القاعدة» تعني بجميع الأحوال تحييد الفصائل الأخرى كما جرى في الرقة، وبالتالي يصبح في سورية عاصمتان لـ«القاعدة» لا دور «للثوار» فيهما، فما هي خيارات تحالف واشنطن عندئذٍ؟

خيارات الميدان وحدها خلال الأشهر الثلاثة المقبلة تحدد أرجحية سيناريو على الآخر، بمعنى شكل التطورات الميدانية على الأرض في ميزان الربح والخسارة بالنسبة إلى الدولة السورية وحلفائها تحديداً، فهل تحقق «القاعدة» وأخواتها إنجازات جديدة؟ أم أن اختراقاً في منطقة ما يتم التحضير له من جانب الجيش السوري والحلفاء؟

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى