صراع دولي على الأرض الأفريقية…
} د. جمال زهران*
كما سبق أن أشرت في مقالات سابقة، فإنّ الأقاليم تتداعى لكي تكون أرضاً للتنافس والصراع الدولي بين العمالقة الكبار، وفي الخلفية الحرب الروسية ـ الأوكرانية.
فقد دعت أميركا في عهد الديمقراطيين (بايدن) حالياً، إلى مؤتمر دولي حاشد تحت عنوان (المؤتمر الأميركي/ الأفريقي)، في واشنطن، في الفترة من 13-15/ ديسمبر (كانون الأول) 2022، وذلك بحضور (40) دولة أفريقية، دون أن تحضر بقية الدول وعددها (14) دولة، لأسباب مختلفة، أغلب علمها عند الإدارة الأميركية التي دعت لهذا المؤتمر!
ويأتي هذا المؤتمر في واشنطن، كثاني مؤتمر تعقده إدارة بايدن، بعد أن تمّ عقد مؤتمر دولي/ إقليمي في جدة، بالسعودية، حضرته الدول الخليجية العربية الستّ، بالإضافة إلى مصر والعراق والأردن، وذلك في إطار أحد أهمّ أهداف الولايات المتحدة الأميركية، في إطار الصراع والمجابهة العلنية بين أميركا وروسيا، لوقف تنامي التأييد والدعم من بعض هذه الدول لروسيا، بعد تدخلها العسكري في 24 شباط/ فبراير 2022.
حيث لوحظ آنذاك أنّ هناك مساعي ومواقف ظهرت في التصويت بالأمم المتحدة، لصالح روسيا، حتى لو بالامتناع عن التصويت، وليس بتأييد روسيا.
ولذلك سارعت أميركا إلى احتواء هذه المساعي، لوقف التأييد العلني أو الصامت، المباشر وغير المباشر لروسيا، في حربها ضدّ أوكرانيا.
ومن هنا جاءت أهمية عقد اجتماع أميركي مع منطقة الخليج ودول بارزة في الإقليم العربي، في جدة، لتحقيق الهدف وهو الاحتواء والتأميم، لصالح أميركا وأوروبا الغربية.
أما المرحلة الثانية، فهي إدارة الصراع على الأرض الأفريقية، بعقد اجتماع كبير يضمّ أميركا + 40 دولة أفريقية، للتنسيق والاحتواء والتعبئة تجاه دعم أميركا وأوروبا، في الحرب الجارية في العالم اليوم، وباتت أطرافها روسيا + الصين في مواجهة أميركا وأوروبا.
وقد سبق أن أشرت إلى أنّ الحرب العالمية الأولى في القرن الحادي والعشرين، ليست كالحربين العالميتين الأولى والثانية في القرن الماضي (العشرين)، تقتصر على المواجهة العسكرية، بل اتخذت بعداً جديداً وهو البعد الاقتصادي، الذي بدأ بالعقوبات الأميركية الأوروبية ضدّ روسيا، ومن يساندها، تجاوزت الأربعة آلاف قرار. ولم يقتصر الجانب الاقتصادي على هذا الجانب، بل امتدّ إلى تغيير القاعدة الاقتصادية التي كانت أميركا تتحكم في النظام الاقتصادي العالمي، من خلال اتفاقية الدولار عام 1944 التي سبق توضيحها.
إذن المواجهة، لم تعُد مواجهة عسكرية فقط، بل مواجهة اقتصادية شاملة، هدفها إسقاط النظام الدولي القديم عسكرياً واقتصادياً وسياسياً إلى نظام دولي جديد يقوم على التعدد والعدالة، والتحرير النهائي من الاستعمار الأميركي الأوروبي للعالم، وإلى الأبد، كما جاء على لسان الرئيس الروسي بوتين، في أكثر من خطاب.
ومن الواضح أنّ أميركا هي التي تقود المشهد، ولا تشاركها في ذلك أوروبا، التي تعيش الأزمة الحقيقية من جراء اندلاع الحرب في أوكرانيا المجاورة لها.
ولذلك فهي تسعى لاستقطاب العديد من الدول والتجمعات من أجل حشد عالمي ضدّ روسيا، كما ظهر في مؤتمر جدة. والآن محاولة لحشد دولي ضدّ الصين (حليفة روسيا)، وذلك كما يظهر في مؤتمر القمة الأميركي الأفريقي. فهو مؤتمر موجّه ضدّ الصين مباشرة، وضدّ روسيا بالتبعية!
وعلى الرغم من عدم قناعة أميركا بدول إقليمية عربية وشرق أوسطية، وأفريقية، إلا أنها تراجعت عن ذلك، لكسب أكبر درجة من التأييد والدعم لها ولحلفائها الأوروبيين، وذلك بغضّ النظر عن الوعود التي أطلقها (بايدن) تجاه عدد من هذه الدول أثناء المعركة الانتخابية، أو بعد نجاحه، وعلى مدار العام والنصف الأول من توليه الحكم.
والآن، تعقد الولايات المتحدة في واشنطن، مؤتمراً للدول الأفريقية، لمواجهة التوسّع والانتشار الصينيّ خصوصاً في الشأن الاقتصادي، في كلّ أنحاء أفريقيا. فمن المعلومات المتوافرة من مصادر صندوق النقد الدولي، أنّ حجم العلاقات الاقتصادية بين الصين ودول أفريقيا، قد وصل إلى نحو 160 مليار دولار، على حين يبلغ حجم هذه العلاقات بين أميركا وهذه الدول الأفريقية نحو 50 مليار دولار فقط، أي نحو ربع حجم علاقات الصين الاقتصادية الأفريقية. وفي تقديرات أخرى فإنّ حجم هذه العلاقات، قد وصل إلى نحو 250 مليار دولار للصين، و 50 ملياراً لأميركا!!
كما تذكر بعض التقارير أنه في السنوات الخمس الأخيرة (2017 – 2022)، فإنّ حجم العلاقات الصينية الأفريقية، يتنامى بنحو 35% سنوياً، بالمقارنة بأميركا التي لم تعُد قادرة على منافسة الصين في الانتشار والتوسّع في أفريقيا!! كما أنّ العلاقات لا تقتصر على كل الجوانب الاقتصادية، بل تمتدّ إلى الشؤون العسكرية (توريد أسلحة – إقامة قواعد عسكرية – تدريبات عسكرية مشتركة إلخ…) وقد أقلق ذلك أميركا عملياً.
في إطار هذه الأوضاع، فهل ستنجح القمة الأفريقية الأميركية، عملياً بإعادة السيطرة الأميركية على الإقليم الأفريقي؟! الإجابة الحاسمة، لن يحدث ذلك. وستفشل هذه القمة، مثل سابقتها في جدة منذ عدة شهور. إنها الرقصة الأخيرة لأميركا في العالم، وكما خرجت عن حدودها بعد الحرب العالمية الثانية، وقد سيطرت على العالم سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، فإنّ مآلها بعد الفشل الذي مُنيت به، ستعود إلى حدودها الجغرافية مرة أخرى، لتظهر قوى جديدة في الشرق، حيث روسيا والصين وحلفاؤهما (الهند – كوريا الشمالية – إيران – سورية)، لتسيطر على العالم كله، لعلنا نفهم ما يجري حولنا!
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة.