كيف أحبط المهدي مخطط الانكليز والأميركان والسعودية والكيان في إيران!
} محمد صادق الحسيني
«الذي حللني عليك حرّم هذا العمل عليك»…
كانت هذه العبارة الأخطر والأهم والأقوى، التي تردّد صداها عالياً في قصر ناصر الدين شاه القاجاري أولاً، ومن ثم في عموم إيران، حتى تحوّلت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، وأجبرت الملك ان يسحب قراره القاضي بمنح احتكار تجارة التنباك لشركة بريطانية كان يرأسها أحد المقربّين من اللورد ساليزبوري في مارس/ آذار سنة 1890، وهو ما جعل الناس تنتصر على القصر، وساعد في نجاح الثورة العلمائية والشعبية التي عُرفت في ما بعد بثورة التنباك.
إنها جملة خديجة خانم تجريشي لزوجها الملك القاجاري الذي كان قد استدعاها ليعرف من قام بتكسير كلّ الأراغيل في القصر، ومنع كلّ حاشية الملك من التدخين، وذلك عملاً بفتوى الإمام الشيرازي الذي كان زعيم الطائفة الشيعية والذي اتخذ من النجف وسامراء مقرّين له، وهي الفتوى التي حرّم فيها التنباك، معتبراً التدخين واستخدام كلّ مشتقات التبغ بحكم محاربة الإمام المهدي. والتي كان الإيرانيون قد استجابوا لها بشكل واسع وتوقفوا عن استعمال التبغ وحطموا الأراغيل. وبلغ الأمر إلى حدّ أنّ زوجات الشاه وخدمه توقفوا عن التدخين أيضاً، كما يُجمع المؤرّخون، حتى وصل الأمر الى قصر الرجل الأول في البلاد.
إنه الدين، والعقيدة، والروح المتأصّلة عميقاً في نسيج الشعب الإيراني، بكلّ فئاته وطوائفه وملله ونحله، حتى عند المواطنين المسيحيين، وأبناء الأعراق المختلفة بمن فيهم الأرمن كما يلحظه كلّ قارئ متبحّر لتاريخ إيران القديم والحديث .
«استعمال التنباك والتوتون بأيّ نحو كان بحكم محاربة إمام الزمان عجل الله فرجه».
إنها العبارة التي هزت عرش الشاه وغيّرت قواعد الاشتباك بين الشعب الإيراني والملك، وبين الطبقة السياسية الحاكمة وحكم الأجنبي كذلك.
وهكذا سقطت انكلترا في شوارع وبازار، بل وحتى في قصور إيران…
قواعد الاشتباك هذه، هي نفسها التي قضت خلال الأشهر الثلاثة الماضية على كلّ مخططات الأجنبي ضدّ حكم ودولة ولاية الفقيه في إيران.
كم هو أحمق وغبيّ هذا الغرب وبيادقه الصغار من إرهابيّي تل أبيب الى أمراء مدن الملح والصحراء…!
لم يتعلموا من الثورة الدينية الأولى قبل نحو١٠٠ عام، بأنّ إيران هذه ومنذ قرون قائمة على أربعة أعمدة:
1 ـ علماء الدين والتديّن والعقيدة الصلبة والقوية في بطن وجسم المجتمع الإيراني ـ في التاريخ المعاصر، الإسلام تحديداً.
2 ـ البازار ليس فقط التجار التقليديون الذين يشكلون ما يُعرف بالبازار، بل حتى التجار الحديثين، ودورهم الأساسي في كلّ مسارات التغيير والإصلاح، ايّ حتى رموز حركة التجارة المعاصرة في إطار موقع إيران الجيواستراتيجي (كوريدور شمال جنوب، وشرق وغرب).
3 ـ الجامعات، بكلّ ما تعنيه العلوم الحديثة والتطور العلمي في مختلف مناحي الحياة.
4 ـ المرأة كأمّ وزوجة وفتاة وعالمة وشخصية اجتماعية وسياسية وجامعية ولاعبة الدور المحوري في المجتمع الإيراني الذي يغلب عليه التديّن في كلّ العصور، ودورها الأساسي في كلّ عملية إصلاح أو تغيير أو ثورة، وليس سلعة كمالية للبيع والشراء كما هو الحال في مجتمع الغرب الاستهلاكي، يرفعها متى يشاء ويخفضها متى يشاء في بورصة الاتجار بالبشر.
وهو ما فشلت قوى الثورة المضادة الداخلية والأجنبية المشغّلة لها، ليس فقط في كسبها لصالحها كوسيلة للتوظيف في الثورة المضادة الجديدة، بل وحتى في مجرد استمالتها.
إنه فشل ذريع تجلى وتبلور في انّ تلفزيون ابن سلمان (إيران انترناشينوال) وكلّ إذاعات وأقمار الغرب الاصطناعية ووسائل التواصل الاجتماعي بالفارسية وهي بالمئات، لم تتمكّن رغم الدعوات المستمرّة للإضراب في حشد أيّ من هذه العناصر الأساسية، لا في شراء ذمة حتى عالم واحد من رموز الحوزات العلمية، ولا في إغلاق حتى جامعة واحدة، ناهيك عن كسب البازار والتجار الذين طردوهم شرّ طردة…
والفشل كان أوضح ما يكون في مشهد ملايين النساء الإيرانيات العفيفات والمحجّبات اللواتي انتفضن ضدّ تحالف الغربي المتوحّش مع الأعرابي الجاهل واليهودي التلمودي، وتصدّوا له في كلّ شوارع ومدن وباحات إيران بصوت واحد كما في انتفاضة التنباك ليقولوا له :
إنّ من حلّلنا على أزواجنا هو نفسه من حرّم علينا دعم ارتكاباتكم أيها الأعداء، وإننا لن نكون كما توهّمتم أدوات رخيصة في حربكم على المهدي.
وهكذا سقط ابن سلمان في شوارع طهران وسقط معه مشروعه الذي قال إنه يريد مطاردة المهدي في طهران ونقل المعركة الى الداخل الإيراني وسقط معه كذلك كلّ رموز إمبراطورية الكذب والشيطان، فيما نجحت دولة ولاية الفقيه في تفكيك كلّ خلاياهم وتهديم أوكارهم بفضل الجنرال صبر الذي يفتت الصخر ويهزم رعاة البقر.
مجلس الأمن الداخلي الإيراني الذي شكله وزير الداخلية من كل الأجهزة العسكرية والاستخبارية والأمنية كان الصخرة التي تحطمت عليها كلّ شبكات الموساد ومرتزقة الصحراء وعملاء الغرب ليتمّ تصيّدهم من قبل جند المهدي المنتظر ويتهاوون، كهشيم تذروه الرياح.
وهكذا يكون التاريخ قد سجل مجدّداً، نهاية مقامرة الشيطان الأكبر الجديدة ضدّ إيران الإسلام والثورة والتاريخ والجغرافيا .
وخسر الغرب مجدّداً الرهان على مقولاته الهزيلة التي نظّرت لنهاية الدين والروح والايديولوجيا، كما ظنّ منظرهم الغبي فوكوياما في كتابه نهاية التاريخ…!
في القرن الماضي ظنّ الإنكليز ذلك وباغتتهم زوجة الملك لتكشف جوهر وحقيقة مجتمعات الشرق، بل وقصور شاهاته، حتى وهم تابعون في السياسة له…
وفي هذا القرن ذهبت مزاعم الأميركان أدراج الرياح عندما خذلتهم المرأة الإيرانية المسلمة مجدّداً، ولكن هذه المرة بطريقة تهكّم عليهم فيها كلّ العالم، كما لم يتوقعوه: وبهت الذي كفر.
يقول كارل ماركس: «التاريخ يعيد نفسه، في المرة الأولى تراجيديا وفي الثانية مهزلة».
بعدنا طيبين قولوا الله…