أولى

لا نور في نهاية النفق: لبنان أسير حال اللاقرار

‭}‬ د. عصام نعمان*
أزمة لبنان مزمنة. إنها مترعة بمشاكل ذات أسباب وعوامل شتى: داخلية وخارجية، سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، دينية وطائفية، شخصية ونفسية، ويمكن تعداد مشاكل أخرى كثيرة.
كلٌ من هذه المشاكل يتناسل كالنمل، ولا يتوقف عن التوالد. أهمّ المشاكل وأكثرها خطورة في وضع الانسداد السياسي الراهن أنّ البلاد أضحت أسيرة حال اللاقرار. حتى لو أمكن التوصّل الى تفاهم أو توافق أو تسوية بين أطراف الصراع (ومن يقف وراءهم) فكيف يمكن ترجمتها الى صيغة قابلة للتنفيذ طالما الجسم السياسي برمّته يرتع في حال اللاقرار؟
لا قرار في رئاسة الجمهورية لأن ثمة شغوراً فيها قارب عمره الشهرين.
لا قرار في الحكومة لأنها باتت مستقيلة، بحكم الدستور مذّ جرى انتخاب مجلس نواب جديد في 15 أيار/ مايو الماضي ما جعلها في حال تصريف الأعمال في أضيق الحدود.
لا قرار في مجلس النواب بسبب تشرذمه الى تكتلات وتحالفات شتى فضلاً عن بقاء عدد كبير من أعضائه في حال استقلال فردي؛ الأمر الذي حال ويحول دون تكوين اكثرية متماسكة بإمكانها اتخاذ القرار او القرارات اللازمة وفق أحكام الدستور. وليس أدلّ على ذلك من أن مجلس النواب عقد عشر جلسات متتالية خلال الشهرين الماضيين لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، إنما دونما جدوى.
فوق ذلك كله، لا وجود لمعارضة سياسيّة ذات قاعدة شعبيّة واسعة قادرة على ممارسة ضغوط جدّية ومجدية على أهل السلطة وأطراف الصراع لحملهم على إيجاد المخرج السياسي والدستوري اللازم لإنهاء حال اللاقرار.
ما المخرج من هذه العتمة ولا نور في نهاية النفق؟
تتعدّد الآراء والاجتهادات في هذا المجال. البعض ما زال يرى أنّ المخرج يكون في العودة إلى الحوار الوطني، لكن يفوت هؤلاء أن لا توافق بين أصحاب القرار من أطراف الصراع داخل مجلس النواب أو خارجه على اعتماد ما يُسمّى طاولة الحوار.
البعض الآخر يرى أن لا فائدة من حمل أهل السلطة داخل مؤسسات النظام السياسي المترهّل أو خارجه على الحوار، وأن المخرج يكون في التواصل مع القوى الخارجية النافذة، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والسعودية، للقيام بالضغط على الحلفاء والأصدقاء المحليين لحملهم على توليف تسوية تكفل الخروج من المأزق بالتي هي أحسن. هذه المقاربة للأزمة، فضلاً عن تعارضها مع أبسط قيم الكرامة واحترام النفس ومبادئ الاستقلال والسيادة، يجهل أصحابها أو يتجاهلون أن للقوى الخارجية مصالحها الخاصة وهي لن تتدخّل كرمى لعيون اللبنانيين، هذا فضلاً عن أن مصالحها متضاربة وتوافقها تالياً ليس هيناً، وأن كلاًّ منها منشغل بهموم ومشاكل داخلية أو خارجية تجعله غير مهتمّ بمشاكل لبنان وصراعات اللبنانيين، وربما تقضي مصالحه بألّا يتوصّل اللبنانيون الى حلٍّ لأزمتهم المزمنة في الوقت الحاضر على الأقلّ.
الى ذلك، ثمّة شريحة واسعة ونافذة من أصحاب الرأي والقيادات السياسية والنقابية الوطنية، بالإضافة الى قاعدة شعبية عريضة تعارض بقوة أن يبقى حلّ الأزمة المزمنة أو تسويتها وقفاً على أهل المنظومات الحاكمة المتعاقبة المسؤولين عمّا انتهت إليه البلاد من كوارث وانهيارات وفساد وبطالة وهجرة.
الى أين من هنا؟
المشهد اللبناني يبدو قاتماً والتشاؤم سائداً وأطراف الصراع على حالهم من التطاحن والتقاتل ونصْب الأفخاخ لبعضهم بعضاً.
هذا الانسداد السياسي نذير خطير بأن حال اللاقرار طويلة الأمد. قد يمتدّ ويستغرق أسابيع وأشهراً وسنوات. ألم تبقَ البلاد في حال فراغ رئاسي وسياسي مدة سنتين قبل أن يتمّ التوافق بصعوبة شديدة على هندسة مخرج من الأزمة بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية سنة 2016؟
المتفائلون المحترفون – وهم قلّة قليلة – ما زالوا يؤمّلون بأن يتمكّن العقلاء – وهم قلّة قليلة أيضاً – من اجتراح صيغة لتسويةٍ مقبولةٍ بين أمراء الطوائف وأطراف الصراع وأركان المنظومة الحاكمة تُنتج رئيساً مقبولاً للجمهورية وحكومة ائتلافية قادرة على العمل واتخاذ القرارات اللازمة لإبقاء لبنان واللبنانيين على قيد الحياة.
إلى ذلك، ثمة فريق بين المتفائلين المحترفين يؤمّل، ولعله يترقّب أيضاً حدثاً وازناً، إقليمياً أو دولياً، يكون من شأنه أن يولّد انعكاسات مؤثرة في لبنان تؤدي بدورها الى تسريع عملية الخروج من النفق الذي لا نور في نهايته.
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل!
*نائب ووزير سابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى